استقطب مصير مكتب حركة حماس في الدوحة اهتماماً عالمياً بعد الأنباء المتداولة عن غلق قطر للمكتب، على إثر إعلانها تعليق جهود وساطتها لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، بسبب ما قالت إنه عدم جدية الأطراف، مع تأكيدها على استمرار دعمها لسكان غزة المحاصرين، وعدم التراجع عن مواقفها المساندة للقضية الفلسطينية. وجددت الدوحة رسمياً التأكيد على أن مكتب حماس لم يغلق رسمياً، نافية ما تداول من أخبار عن الموضوع. وشدد المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري أن قادة فريق حركة المقاومة الإسلامية «حماس» للتفاوض غير موجودين في الدوحة حالياً ويتنقلون بين عواصم مختلفة. إعلان الدوحة عدم وجود الفريق المفاوض في الوقت الحالي على أراضيها، تبعه تأكيد على أن إغلاق المكتب السياسي لحماس إن تم ستعلن عنه الخارجية القطرية وليس عبر وسائل أخرى. وشرحت الدوحة ملابسات الموضوع بتأكيدها أن تعليق جهود الوساطة القطرية كان بسبب عدم جدية الأطراف، حيث قالت إنها «لن تقبل بأن تستغل لأغراض سياسية». ومؤخراً كشفت الدوحة استعدادها لاستئناف المفاوضات في حال وجود جدية من قبل الأطراف، مع تشديدها أن الموقف القطري ثابت وواضح وهو وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة.
لفهم تطورات مسار خط انتقال مكتب حماس حالياً، لابد من العودة قليلاً للوراء، واستعراض مناطق تحركهم السابقة، قبل لحظة تدشين العلاقة المباشرة لمكتب حماس وقطر رسمياً عام 2012 بعدما توترت علاقات الحركة بالنظام السوري، مع اندلاع الثورة، وما رافقها من أحداث، وجدت قيادات حماس نفسها في حرج من البقاء في دمشق، وعدم التعبير علناً عن دعم تطلعات الشعب السوري في الحرية، والاصطفاف إلى جانب المعارضة السورية. ودفع موقف حماس من تطورات الأحداث في دمشق، إلى قطع العلاقات مع نظام بشار الأسد خلال الثورة السورية.
رحلة مكتب حماس
قبل محطة سورياً وانتقال قيادات الحركة إلى الدوحة، تموقعت حماس في العاصمة الأردنية عمان، حيث بدأت العلاقة الرسمية بينها والأردن مطلع التسعينيات، وأتاحت المملكة للحركة فرصة تعيين ممثل لها في عمان وشغله حينها القيادي محمد نزال، مع حرية تحرك قيادات مثل موسى أبو مرزوق وأعضاء المكتب السياسي في الأردن. وظلت العلاقة مرنة، مع حدود لامكانات التحرك، مع ضغوط واجهتها عَمان من منظمة التحرير الفلسطينية التي رأت في ذلك تهديداً لمكانتها في المنطقة.
وكانت النقطة الفارقة التي وضعت العلاقة على المحك، توقيع الأردن معاهدة السلام مع إسرائيل في وادي عربة، عام 1994. وتوالت نتيجة ذلك التحديات، مع طلبات رسمية من الأردن مغادرة قيادات حماس المملكة، مع توالي حدة الانتقادات لمواقف متعلقة بالملف الفلسطيني، والعلاقة مع إسرائيل.
وكان المنعطف الموالي، محاولة اغتيال خالد مشعل عام 1997 في عمان، وما رافقه من تطورات، وتدخل الملك حسين شخصياً لحلحلة الأزمة ومطالبة تل أبيب الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين وعدد من المعتقلين الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح عملاء الموساد الضالعين في محاولة الاغتيال.
وعام 1999 بعد وفاة الملك حسين، مباشرة تغيرت المعادلة، وطلب من قيادات في حركة حماس مغادرة الأراضي الأردنية، ووصلت العلاقة لنفق وتدنت إلى حدود إبقاء قنوات تواصل أمنية محدودة لمعالجة إشكالات وقضايا تهم الفلسطينيين، أو السماح للقيادي في حماس خالد مشغل حضور جنازة والده عام 2009.
دعم الدوحة لسكان غرة
حافظت الدوحة على علاقة متواصلة مع قيادات حماس، وتفاعلت معهم ومع سكان غزة، وقدمت كل الدعم الممكن لسكان القطاع المحاصر. وتوسعت العلاقة تحديداً بعد نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 والتي حصدت فيها الحركة أغلبية المقاعد، وما إن سيطرت الحركة على قطاع غزة عام 2007 حتى بدأت العلاقات تأخذ طابعاً رسمياً. والتزمت الدوحة بدعم سكان غزة، الذين كانوا بحاجة لدعم لتأمين احتياجاتهم الأساسية، والإنسانية، وتكلفت بجهود إعادة الإعمار ودفع رواتب الموظفين، ونفذت مشاريع تنموية عادت بالمنفعة للسكان المحاصرين، والذين واجهوا تحديات لتأمين سبل العيش، حيث شهدت العلاقات ذروتها عام 2012 بعد زيارة أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، لقطاع غزة تحت حكم حماس، واستضافة الدوحة للمكتب السياسي للحركة في العام نفسه، والذي يضم عدداً من قادة الحركة من بينهم رئيس المكتب السياسي الراحل إسماعيل هنية، ورئيس الحركة في الخارج خالد مشعل. وأدت قطر أدواراً محورية في الوساطة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والوساطة البينية بين الفصائل الفلسطينية، مستفيدة من رصيدها الثري وخبراتها في عدد من الملفات، من بينها الوساطة في اليمن 2008 ولبنان 2008 والسودان في الأعوام 2011 و2013 و2017 والمصالحة بين جيبوتي وإرتيريا عام 2011 والمفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، ومفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران.
ودخلت قطر في سياق الوساطة بين حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية، لوقوفها في المنتصف بين الحركتين، ودافعها دعم القضية الفلسطينية، وحقوق شعبها. كما ساهمت قطر في عمليات إعادة الإعمار لقطاع غزة في مراحل ما بعد الحروب والمعارك، لا سيما في الأعوام 2014 و2021 وقد أنشأت في العام 2012 هيئة خاصة لهذا الغرض وهي اللجنة القطرية لإعادة إعمار قطاع غزة.
وكان أمير قطر السابق، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أول زعيم عربي ودولي يزور غزة، في خريف عام 2012 وتوالت معها المشاريع الإنسانية التي نفذتها الدوحة. ومعروف عن أمير قطر السابق مواقفه المناصرة للقضية الفلسطينية وتفاعله مع قضيتها وتقديمه الدعم المتواصل لسكان قطاع غزة المحاصرين، حيث افتتح عشرات المشاريع لإعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي، فكان لها الأثر الكبير في التخفيف من معاناة القطاع. وأعلن الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عن تقديم منحة بقيمة تعادل نصف مليار دولار أمريكي لإعادة إعمار غزة خلال الزيارة التاريخية التي أجراها إلى القطاع عام 2012. كما نجحت دولة قطر في منتصف كانون الثاني/يناير عام 2009 في عقد قمة غزة الطارئة التي دعا إليها الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وشارك فيها عدد من قادة وممثلي عدد من الدول العربية والإسلامية لبحث العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ودعت القمة في ختام أعمالها إلى وقف العدوان وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة ورفع الحصار وفتح المعابر والميناء البحري.
من جانبه عبر أمير قطر الحالي الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن مواقف داعمة للقضية، وأكد في تصريحات رسمية أن فلسطين قضية مبدأ. وفي 2021 ذكر وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن بلاده ستقدم 500 مليون دولار للمساعدة في إعادة إعمار غزة، وذلك في أعقاب وقف إطلاق النار الذي أنهى أعنف تصعيد عسكري منذ سنوات بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في غزة.
وقال الوزير على تويتر «بتوجيهات سيدي صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى تعلن دولة قطر عن تقديم 500 مليون دولار دعماً لإعادة إعمار غزة». وأضاف «سنواصل دعم الأشقاء في فلسطين وصولاً إلى الحل العادل والدائم بإقامة دولته المستقلة وفق مبادرة السلام العربية ومرجعيات الشرعية الدولية ذات الصلة».
وأعلنت قطر في وقت سابق تخصيص منحة مالية جديدة لغزة بقيمة 360 مليون دولار تصرف على مدى عام كامل ابتداء من شهر كانون الثاني/يناير 2021.
وفي العام الماضي، وجه أمير قطر بتقديم دعم مالي لقطاع غزة بقيمة 150 مليون دولار على مدى 6 أشهر.
مستقبل مكتب حماس
حتى الآن تفرض التكهنات نفسها في ما يتعلق بمصير مكتب حماس، وإن أكدت قطر أن المكتب حتى الآن لم يغلق، وستعلن عن ذلك رسمياً في حال اتخذ القرار.
وتشير مصادر متابعة للملف، أن العديد من الأطراف الدولية، لا تريد أن يغلق المكتب في قطر، ويظل قناة اتصال ووجود فرصة للتباحث حول الملفات المتعلقة بإنهاء الحرب، وتبادل المحتجزين والأسرى.
وذهبت بعض القراءات نحو تأكيد انتقال المكتب لتركيا، وإن كانت المصادر الرسمية في أنقرة، نفت صحة تقارير تحدثت عن نقل المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) من قطر إلى تركيا.
وتعلن تركيا رسمياً أن «أعضاء المكتب السياسي لحماس يزورون تركيا من وقت لآخر».
وحتى الآن تشير الوقائع أن قطر ما تزال تحافظ على الحد الأدنى من العلاقات الرسمية مع حركة حماس، وذلك من خلال الإبقاء على عدد من القادة غير الفاعلين.
وما يزال الجميع يفكر بالخيارات المرافقة لليوم التالي بعد الحرب، ودور حركة حماس في مستقبل قطاع غزة والقضية الفلسطينية بشكل عام، ويتعزز هذا المسار في حالة الوصول إلى تفاهمات إقليمية ودولية تبقي على دور لحماس في إدارة قطاع غزة، أو في النظام السياسي الفلسطيني.