غزة – الشرق الآن
في ظل الوضع الإنساني الكارثي الذي يشهده قطاع غزة، وبينما يعاني مئات الآلاف من المواطنين من الجوع ونقص أبسط مقومات الحياة، تتفاقم أزمة توزيع المساعدات بعد ورود تقارير وشهادات محلية تؤكد تورط عناصر من وحدة “سهم” – المكلفة بحماية قوافل المساعدات – بسرقة جزء من هذه المساعدات وبيعها في الأسواق.
وحدة “سهم”، التي أنشئت بهدف تأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى مراكز التوزيع ومنع الاعتداءات على الشاحنات، باتت اليوم محل شكوك واتهامات متزايدة من السكان والمنظمات الحقوقية. عدد من المواطنين أكدوا في إفادات لـ”الشرق الآن” أن بعض المساعدات التي من المفترض أن توزع مجانًا على العائلات المحتاجة ظهرت معروضة للبيع في الأسواق بأسعار باهظة، ما اعتبروه استغلالًا صارخًا لحاجة الناس.
يقول مواطن : “ذهبت لاستلام المساعدات المخصصة لحينا، لكن قيل لنا إن الكمية نفدت. بعد ساعات فقط، رأيت أكياس الطحين والعدس نفسها التي كانت في الشاحنات تُباع على عربة صغيرة قرب السوق، وبنفس العلامات التي تحملها المساعدات الدولية.”
مصادر محلية أفادت بأن عناصر من وحدة “سهم” يقومون بسرقة جزء من المساعدات فور وصول الشاحنات إلى نقاط التفريغ، ويتم تهريبها لاحقًا إلى تجار متعاونين يقومون بتصريفها في السوق المحلية، وسط غياب تام للرقابة أو المحاسبة من الجهات المسؤولة.
بدورها، طالبت منظمات محلية ودولية بفتح تحقيق شفاف ومستقل في هذه الحوادث، ومحاسبة المتورطين، حمايةً لما تبقى من الثقة في آلية توزيع المساعدات.
فيما يخشى المواطنون من أن تؤدي هذه السرقات إلى تقليص حجم المساعدات من الجهات المانحة أو تعليقها كليًا، مما ينذر بكارثة إنسانية أعمق.
في وقت يزداد فيه الفقر والجوع في القطاع، يبدو أن أكبر تهديد لوصول المساعدات لم يعد فقط في القصف أو الحصار، بل أيضًا في الفساد الداخلي وسوء الإدارة، وهو ما يتطلب تدخلًا عاجلًا ومحاسبة جادة تحفظ كرامة المحتاجين وتضمن وصول ما يسد رمقهم دون إذلال أو استغلال
وفي هذا السياق، عبّر عدد من موظفي الإغاثة والعاملين في منظمات المجتمع المدني عن إحباطهم المتزايد من عدم قدرتهم على ضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها. وقال أحد المتطوعين في منظمة إغاثية أوروبية – فضّل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية – إن فرق التوزيع تتعرض لضغوط مستمرة من جهات مسلحة، وإن “هناك أطرافًا تتدخل بشكل مباشر في كيفية توزيع المساعدات، وأحيانًا تفرض قوائم بأسماء معينة للحصول على الحصص دون وجه حق”.
التدهور المستمر في شفافية توزيع المساعدات يهدد بفقدان ثقة المجتمع المحلي في الجهات المسؤولة، ويزيد من حالة السخط والغضب لدى الناس، خاصةً مع انتشار الفقر المدقع وارتفاع معدلات البطالة وانعدام الأمن الغذائي لدى أكثر من 80% من سكان القطاع.
وفي ظل غياب آليات رقابة محلية فعالة، ناشدت منظمات فلسطينية ودولية بضرورة إشراف هيئات دولية محايدة على عملية توزيع المساعدات داخل غزة، لضمان الشفافية والعدالة، ومنع التلاعب السياسي أو العسكري بالمعونات الإنسانية.
وأكد تقرير صادر عن إحدى المنظمات الأوروبية العاملة في مجال الإغاثة أن هناك ضرورة ملحّة لإعادة هيكلة منظومة توزيع المساعدات داخل غزة، تشمل مراجعة الجهات المكلفة بالحماية، وتفعيل آليات التبليغ عن الانتهاكات، وتوفير الحماية للمبلغين والشهود.
وفي نهاية المطاف، يبقى المواطن الغزّي هو الخاسر الأكبر من فوضى التوزيع وسرقة المساعدات، حيث تقف الأمهات في طوابير طويلة لساعات في انتظار كيس طحين أو علبة حليب أطفال، بينما تُباع تلك المواد نفسها في السوق السوداء بأسعار لا يمكن لأحد تحملها
تتعدد الأسباب وتبقى النتيجة واحدة: أزمة أخلاقية وإنسانية في قلب أزمة سياسية وحصار طويل، في وقت يحتاج فيه سكان غزة إلى الأمل قبل أي شيء، لا أن يتحول الغذاء إلى وسيلة جديدة للقهر والنهب في وظل حرب مستمرة القطاع منذ 20 شهراً