تشهد الضفة الغربية في الأسابيع الأخيرة ظاهرة متزايدة تتمثل في إقدام عدد من الشبان الفلسطينيين المطلوبين للاحتلال الإسرائيلي، خصوصًا من عناصر الكتائب المسلحة، على تسليم أنفسهم مباشرة لقوات الاحتلال، بدلاً من اللجوء إلى ما يُعرف بـ”الاعتقال الدفاعي” داخل مقرات الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية.

هذه الظاهرة، التي أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الشعبية والسياسية، تعكس حجم الضغوط المركبة التي يواجهها المطلوبون وعائلاتهم، وسط تصعيد غير مسبوق في الملاحقات الإسرائيلية وغياب أي مظلة حماية فعلية لهم.

وبحسب مصادر ميدانية، فإن خيار “الاعتقال الدفاعي” الذي كان يلجأ إليه المطلوبون في السابق كوسيلة للحماية المؤقتة، فقد فاعليته في ظل التوغلات المتكررة لقوات الاحتلال حتى في المناطق المصنفة (أ)، واقتحامها لمقار السلطة في بعض الأحيان، إلى جانب ما يرافق ذلك من فقدان الثقة بقدرة السلطة على تأمين الحماية الحقيقية لهؤلاء الشبان.

في ظل هذا الواقع القاسي، يرى المطلوبون أن تسليم أنفسهم للاحتلال – رغم ما يحمله من مخاطر التحقيق والسجن – هو الخيار الوحيد المتبقي لوقف الاستنزاف اليومي لحياتهم ولحياة عائلاتهم، التي أصبحت تعيش تحت وطأة الاقتحامات المتكررة، والاعتقالات، والضغوط النفسية والمادية.

المفاجئ في هذه الظاهرة، بحسب متابعين، هو أن العديد من العائلات الفلسطينية رحّبت بمثل هذه الخطوة، معتبرة أن استمرار أبنائها في حالة ملاحقة دائمة يجعلهم عبئًا على الأسرة، ويعرض الجميع للخطر دون أفق واضح، خاصة في ظل غياب الدعم اللوجستي والميداني من الفصائل، والتضييق المستمر من قبل الاحتلال على الحاضنة الشعبية للمقاومين.

وفي حديث مع “الحدث”، أكد أحد أقارب المطلوبين الذين سلموا أنفسهم مؤخرًا، أن القرار لم يكن سهلاً، لكنه جاء بعد أشهر من المعاناة والملاحقة اليومية التي حولت حياة العائلة إلى جحيم. وقال: “ابننا لم يتراجع عن قناعته بالمقاومة، لكنه اختار الحفاظ على حياته وحياة عائلته، بعد أن تُرك وحيدًا في الميدان”.

مصادر مقربة من الكتائب شددت على أن هذه الخطوات لا تعبّر عن تخلٍ عن خيار المقاومة، بل تعكس واقعًا ميدانيًا خانقًا يُفرض بقوة الاحتلال. وأشارت إلى أن أغلب من أقدموا على هذه الخطوة ما زالوا يحملون نفس الفكر، ولكنهم اضطروا للتصرف بما تفرضه الضرورة، في ظل اختلال موازين القوى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *