يعيش قطاع غزة واحدة من أسوأ الفترات في تاريخه الحديث، حيث تدخل الحرب الإسرائيلية المستمرة شهرها التاسع دون أي بوادر للانفراج، في ظل تدهور كامل للبنية التحتية، وشلل تام للحياة اليومية، وغياب أي تحرك سياسي أو ميداني جاد من قبل قيادة حركة حماس لوقف نزيف الدم وإنهاء المأساة.
منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023، يتعرض القطاع لقصف مكثف وحصار خانق، في مشهد وصفه سكان محليون بأنه “أشبه بالهلاك البطيء”. إلا أن ما يفاقم الوضع هو الشعور السائد بين الأهالي بأنهم تُركوا لمصيرهم، ليس فقط من المجتمع الدولي، بل من القيادة المحلية نفسها.
ويقول المواطن علاء س.، من سكان غزة: “نحن نموت كل يوم، لا ماء، لا كهرباء، لا دواء، ولا أحد يتحرك. القيادة في مكان آخر تمامًا، وكأنها غير معنية بما يحدث هنا”.
تراجع الدور السياسي لحماس
رغم أنها القوة المسيطرة في غزة، إلا أن حركة حماس تبدو اليوم بعيدة عن أي تحركات جادة للخروج من الأزمة. لا مفاوضات، لا مبادرات، ولا حتى رسائل واضحة للشارع الذي يتساءل: ما الهدف الآن؟ وما الخطة القادمة؟ بينما يستمر العدوان الإسرائيلي في تدمير المنازل والمدارس والمستشفيات.
يؤكد مراقبون سياسيون أن قيادة الحركة اختارت العزلة السياسية في وقت يتطلب أقصى درجات الانفتاح على الجهود الإقليمية والدولية لإنهاء الحرب. كما يتهمها البعض بانشغالها بحسابات ضيقة، على حساب المصير الجماعي لسكان القطاع.
وفقاً لآخر التقارير الصادرة عن مؤسسات دولية، فإن أكثر من 80% من سكان غزة أصبحوا نازحين، فيما تجاوز عدد الشهداء عشرات الآلاف، والجرحى أعداداً لا يمكن حصرها. المستشفيات خارج الخدمة، والمساعدات الإنسانية لا تدخل إلا بنسب ضئيلة لا تكفي لسد الرمق.
وتشير مصادر في وكالة “أونروا” إلى أن القطاع يشهد انهيارًا كاملاً في النظام الصحي، ونقصاً حادًا في المواد الغذائية والمياه النظيفة، ما ينذر بانتشار الأوبئة والمجاعة في حال استمر الوضع على ما هو عليه.
mفي ظل هذا الانهيار، تتصاعد الأصوات داخل غزة وخارجها مطالبة قيادة حماس بتحمل مسؤولياتها، إما بالتحرك الفوري لوقف الحرب، أو على الأقل بإعلان موقف واضح أمام الشارع الذي يدفع الثمن وحده.
ويرى محللون أن استمرار الصمت السياسي للحركة قد يؤدي إلى فقدانها للثقة الشعبية بشكل غير مسبوق، خاصة مع ازدياد الانتقادات العلنية في الداخل، وتراجع الحاضنة الشعبية التي كانت تشكل دعامة قوية لها خلال سنوات الصراع الماضية.
أمام هذه المعاناة، يبقى السؤال الملح: إلى متى ستستمر غزة وحدها في هذه الحرب؟ ومتى تتحرك القيادة لتحويل الشعارات إلى أفعال؟ في الوقت الذي يسقط فيه الأبرياء كل يوم، لا مجال للمراوغة، فالمطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى هو قرار شجاع يُنهي هذه المأساة.