الشرق الآن | تقدير موقف
وحدة التحليل السياسي – موقع الشرق الآن
تاريخ النشر: 11 أبريل 2025
بعد أكثر من 18 شهرًا على اندلاع الحرب في قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، تبدو حركة حماس أكثر عزلة من أي وقت مضى، وسط دمار غير مسبوق في القطاع، وخسائر بشرية هائلة، وانكشاف واضح في حجم الدعم الفعلي من حلفائها، خصوصًا من إيران. وبينما كانت الحركة تعوّل على تفاعل أوسع من “محور المقاومة”، بدأت المؤشرات تتراكم على أن الدعم بقي محصورًا في الإطار الإعلامي والسياسي، دون تحرك ميداني حقيقي.
وفي ضوء التقارير المتداولة عن توجيه طهران أوامر مباشرة لفصائل عراقية بوقف الهجمات على إسرائيل، والغياب الميداني لحزب الله عن ساحة المعركة، يعود السؤال إلى الواجهة:
هل خُدعت حماس بالمحور الإيراني؟
علاقة طويلة… لكنها معقدة
العلاقة بين حماس وإيران ليست طارئة. تعود جذورها إلى تسعينيات القرن الماضي، وتعمّقت بعد فوز الحركة في انتخابات 2006. حينها، ومع تزايد عزلة حماس إقليميًا ودوليًا، وجدت في إيران داعمًا رئيسيًا سياسيًا وعسكريًا. بالمقابل، رأت طهران في دعم “المقاومة” الفلسطينية أداة فعالة لتعزيز نفوذها في المنطقة.
لكن العلاقة لم تكن دائمًا مستقرة. فقد توترت عقب الثورة السورية بسبب موقف حماس المناهض لنظام الأسد، الذي تدعمه طهران، قبل أن تعود العلاقة تدريجيًا إلى مسارها، خاصة بعد تطبيع بعض الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل، وتراجع مستوى الدعم العربي للقضية الفلسطينية.
الواقع الميداني: مؤشرات على التراجع
خلال الأشهر الـ18 من الحرب، برزت عدة مواقف كشفت عن تراجع واضح في الدعم الميداني من قبل المحور الإيراني:
• حزب الله اللبناني، ورغم خطاباته التصعيدية، اكتفى بمناوشات محدودة على الحدود الجنوبية، بقيت مضبوطة بسقف سياسي واضح، ولم ترقَ إلى مستوى الانخراط الفعلي في الحرب.
• الفصائل العراقية التابعة للحشد الشعبي، التي يُفترض أنها أحد أذرع إيران في المنطقة، توقفت بشكل مفاجئ عن مهاجمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية، بعد ورود أنباء موثوقة عن أوامر مباشرة من طهران بوقف التصعيد.
• إيران نفسها لم تُظهر أي مؤشرات على رغبتها بدخول مواجهة مفتوحة، رغم الضربات الإسرائيلية المتكررة على قيادات تابعة لها في سوريا ولبنان، بما فيها قادة من الحرس الثوري.
⸻
تحليل: تباين في الأولويات
يتضح أن حماس خاضت معركة 7 أكتوبر باعتبارها لحظة فاصلة في الصراع، تراهن خلالها على تدخل إقليمي من الحلفاء، خاصة إيران وحزب الله. لكن الواقع أثبت أن الطرفين يتعاملان مع المواجهة الفلسطينية كـ”ورقة ضغط” ضمن إدارة صراع طويلة الأمد مع إسرائيل والولايات المتحدة، وليس كمعركة مصيرية تستدعي الانخراط المباشر.
إيران تدير الملف الفلسطيني كجزء من استراتيجيتها الإقليمية المعقدة، وتحسب خطواتها بدقة لتجنب مواجهة مباشرة، خصوصًا في ظل ضغوط اقتصادية داخلية، وتفاوضها المستمر حول ملفها النووي. أما حماس، فقد وجدت نفسها وحيدة، في مواجهة واحدة من أعتى الآلات العسكرية في العالم، وسط صمت رسمي من الحلفاء.
هل خُدعت حماس؟
الإجابة لا تتعلق بـ”خداع” تقليدي، بل بـ اختلاف في الحسابات السياسية والعسكرية. فحماس خاضت الحرب بمنطق “الفرصة التاريخية”، بينما تعامل المحور الإيراني معها كحلقة من حلقات الاشتباك غير المباشر، دون استعداد للمجازفة أو التصعيد.
ربما بالغت حماس في تقدير مستوى الدعم المتوقع، أو ربما راهنت على توازنات لم تعد قائمة. النتيجة، على أية حال، أن الحرب كشفت حدود العلاقة بين الأطراف، وعرّت هشاشة الرهانات السياسية على تحالفات لا تقف وقت الحسم.
خلاصة: مراجعة التحالفات ضرورة وطنية
ما يجري اليوم يستدعي من حركة حماس، والفصائل الفلسطينية عمومًا، إعادة تقييم خريطة التحالفات الإقليمية والدولية، بعيدًا عن الأوهام والشعارات. الدعم الحقيقي لا يُقاس بالخطابات، بل بالفعل السياسي والميداني، والاستعداد لتقاسم الأعباء والتبعات.
قد تكون هذه الحرب، بكل مآسيها، لحظة مراجعة تاريخية، تضع الفلسطينيين أمام حقائق جديدة:
أن الرهان يجب أن يكون أولًا على الوحدة الوطنية، ثم على تحالفات تحفظ الكرامة والسيادة، لا على محاور تحركها مصالحها الخاصة وتترك الحلفاء في منتصف الطريق.
الشرق الآن – وحدة التحليل السياسي
جميع الحقوق محفوظة © 2025