دخل حيز التنفيذ في وقت مبكر من صباح الأربعاء، الساعة 4 صباحا بالتوقيت المحلي، اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلنت إسرائيل ولبنان، الثلاثاء، قبوله.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن أعلن، من حديقة الورود في البيت الأبيض أن الاتفاق “مصمم ليكون وقفا دائما للأعمال العدائية”، التي استمرت 13 شهرا والتي تحولت إلى حرب شاملة في سبتمبر/ أيلول مع حزب الله اللبناني.
ووفقا لبيان مشترك من بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، فإن وقف إطلاق النار “سيخلق الظروف لاستعادة الهدوء الدائم والسماح للسكان في كلا البلدين بالعودة بأمان إلى منازلهم على جانبي الخط الأزرق”، في إشارة إلى الحدود الفعلية بين لبنان وإسرائيل.
وستعمل الولايات المتحدة وفرنسا مع الجانبين “لضمان تنفيذ هذا الترتيب وإنفاذه بالكامل“.
وبعد أن صوت مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي بالموافقة على الاتفاق، الثلاثاء، قال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إن وقف إطلاق النار “يحتاج إلى ضمان سلامة السكان في شمال إسرائيل”.
وأضاف هرتسوغ، عبر منصة “إكس” (تويتر سابقا) عن الاتفاق أنه “سوف يجتاز اختبارا واحدا فقط ــ ضمان الأمن الكامل لجميع سكان الشمال، ورغم أن وقف إطلاق النار مهم”، وتابع أن إسرائيل سوف تحمي مواطنيها بـ”أي طريقة”.
ووفقا لمصادر لبنانية، وافق حزب الله أيضا على شروط الاتفاق.
ما الذي ينص عليه الاتفاق؟
ينص الاتفاق على وقف الأعمال العدائية لمدة 60 يوما، وهو ما وصفه المفاوضون بأنه الأساس لهدنة دائمة.
وخلال تلك الفترة، من المتوقع أن ينسحب مسلحي حزب الله مسافة 40 كيلومترا (25 ميلا) من الحدود الإسرائيلية اللبنانية، في حين تنسحب القوات البرية الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية.
لقد كان قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، الذي أنهى آخر حرب شاملة بين البلدين في 2006، هو أساس الاتفاق، وتدور المفاوضات بشكل رئيسي حول إنفاذ المعاهدة.
وبموجب الاتفاق، سينفذ لبنان إشرافا أكثر صرامة على تحركات حزب الله جنوب نهر الليطاني، لمنع المسلحين من إعادة تجميع صفوفهم هناك.
وسيتم تكليف قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والجيش اللبناني ولجنة متعددة الجنسيات بالإشراف على تحركات الجماعة المدعومة من إيران.
وتعهدت إسرائيل باستئناف العمليات العسكرية في حالة حدوث خرق للاتفاق.
هل يصمد الاتفاق؟
إن اتفاق وقف إطلاق النار يبشر بفترة راحة ضرورية للغاية للمدنيين اللبنانيين، الذين قُتل المئات منهم في الغارات الجوية الإسرائيلية، وكذلك للإسرائيليين، الذين لجأ الملايين منهم إلى الملاجئ وسط وابل الصواريخ اليومي من حزب الله.
ولكن هناك تساؤلات حول المدة التي قد يستمر فيها الاتفاق.
وتصر إسرائيل على أنها ستتخذ إجراءات عسكرية ردا على أي خرق، وهذا من شأنه أن يشعل فتيل الصراع من جديد، الأمر الذي يعرض الجهود الدبلوماسية التي تدعمها الولايات المتحدة للخطر.
وفي الوقت نفسه، وافق حزب الله على سحب مسلحيه شمال نهر الليطاني، على بعد نحو 40 كيلومترا من الحدود الإسرائيلية اللبنانية عند أقصى نقطة لها.
وقدم هذا التنازل في 2006 ولكنه انتهكه، فقام ببناء بنية تحتية ضخمة تحت الأرض في منطقة يشكل مسلحيه جزءا من النسيج الاجتماعي فيها، كما انتهكت إسرائيل اتفاق 2006 بإجراء طلعات جوية شبه يومية فوق لبنان.
وسمحت الانتهاكات لحزب الله بتعزيز قواته بشكل هائل، في حين جمعت إسرائيل معلومات استخباراتية عن الجماعة المسلحة والتي أثبتت أنها ستغير قواعد اللعبة في حرب 2024.
ومع ذلك، استمرت هدنة 2006 لمدة تقرب من عقدين، وهي أطول فترة من الهدوء على هذا الخط السياسي منذ ستينيات القرن العشرين.
كيف وصل حزب الله وإسرائيل إلى هنا؟
بدأ حزب الله في إطلاق الصواريخ على الأراضي التي تحتلها إسرائيل بعد يوم واحد من الهجوم المفاجئ الذي شنته حركة حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول في إسرائيل، والذي أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة، مما أدى إلى شن إسرائيل هجوماً مدمرا مستمرا على غزة.
وتعهد زعيم حزب الله الراحل حسن نصرالله مرارا وتكرارا بمواصلة إطلاق الصواريخ على إسرائيل حتى توقف هجومها على غزة.
وفي اجتماع ليلي بدأ في السادس عشر من سبتمبر/أيلول، وسعت حكومة الحرب الإسرائيلية أهداف الحرب المعلنة لتشمل عودة السكان النازحين في شمال البلاد، حيث أدى إطلاق حزب الله للصواريخ يومياً على شمال إسرائيل إلى نزوح أكثر من 60 ألف إسرائيلي من منازلهم.
وبعد ساعات، فجرت إسرائيل آلاف أجهزة النداء (البيجر) التابعة لحزب الله، مما أسفر عن مقتل العشرات وإصابة المئات.
وأعقب ذلك هجوم على أجهزة الاتصال اللاسلكية التابعة للحزب في اليوم التالي.
وفي 23 سبتمبر، شنت إسرائيل هجوما شاملا على المناطق ذات الأغلبية الشيعية في مختلف أنحاء البلاد حيث يتمتع حزب الله بنفوذ كبير، مما أسفر عن مقتل أكثر من 500 شخص في أكثر الأيام دموية بالنسبة للبنان منذ الحرب الأهلية التي انتهت في 1990.
وفي 27 سبتمبر، قتلت إسرائيل نصرالله في هجوم ضخم في الضاحية الجنوبية لبيروت، مما أدى إلى قلب محادثات الهدنة رأسا على عقب.
وأدت سلسلة من الهجمات اللاحقة إلى تدمير كبار قيادات حزب الله، مما دفع مسلحيه إلى الاختفاء بشكل أعمق.
واستمرت الهجمات الإسرائيلية في قصف أعداد كبيرة من المواقع العسكرية في لبنان.
في غضون ذلك، واصل حزب الله إطلاق الصواريخ على إسرائيل بمعدل ثابت، حيث ضربت بعض القذائف أكثر من 70 ميلا.
واعترضت أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية الغالبية العظمى من صواريخه وطائراته بدون طيار، لكن بعضها تسبب في أضرار.
ومنذ أكتوبر 2023، قتلت هجمات حزب الله على إسرائيل 47 مدنيا إسرائيليا و31 من قوات الأمن في إسرائيل، كما قُتل 46 جنديا إسرائيليًا آخرين في لبنان.
هل سيكون لهذا الاتفاق تأثير على الحرب في غزة؟
من غير المرجح أن يجد الفلسطينيون في غزة راحة إذا تم توقيع اتفاق لبنان، وفقًا لمحلل إقليمي.
وقال إتش إيه هيلير، زميل مشارك كبير في دراسات الأمن في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) في لندن، لشبكة CNN، إن اتفاق حزب الله وإسرائيل المحتمل “لا يعني شيئا بالنسبة لغزة”.
وأضاف هيلير: “لا أعتقد أن إبرام أي اتفاق بشأن لبنان من المرجح أن يزيد من احتمالات إبرام اتفاق في غزة”، وذكر أنه لم تكن هناك مفاوضات وقف إطلاق نار جوهرية في غزة لفترة طويلة.
وقُتل أكثر من 44 ألف فلسطيني في غزة منذ بدء الحرب قبل أكثر من عام، وفقاً لوزارة الصحة في القطاع.
ودعت الدول العربية والأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة مرارا وتكرارا إلى إنهاء الهجوم الإسرائيلي، الذي أدى إلى نزوح ما يقرب من كل سكان غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني شخص وتدمير أحياء بأكملها.
ومع ذلك، قال مسؤول أمريكي كبير الأسبوع الماضي لشبكة CNN أن الاتفاق مع حزب الله من شأنه أن “يرسل إشارة إلى حماس” بأن إسرائيل وشركاءها سيبذلون قصارى جهدهم للتوصل اتفاق يعيد الرهائن المحتجزين في غزة.
وأضاف: “إذا كان لدينا اتفاق بشأن لبنان، فسوف نضغط على حماس لمحاولة الحصول على صفقة رهائن”، مضيفا أن إسرائيل بحاجة إلى “تحويل هذا النجاح العسكري إلى نجاح استراتيجي”.
وفي الأسبوع الماضي، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرار آخر لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار في غزة، بحجة أنه لم يربط بشكل كافٍ بين وقف إطلاق النار والإفراج الفوري عن الرهائن في القطاع.