غزة – في وقت تزداد فيه المعاناة الإنسانية في قطاع غزة بشكل غير مسبوق، لا تزال الأوضاع تتدهور في ظل غياب أي برنامج واضح لإعادة الإعمار، واستمرار النقص الحاد في الغذاء والماء، ما ينذر بكارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع المحاصر.

بعد مرور أشهر على انتهاء آخر جولة من التصعيد العسكري، لا تزال مشاهد الدمار تسيطر على غالبية مناطق غزة، حيث تحولت الأحياء السكنية إلى ركام، فيما بات آلاف السكان بلا مأوى. وبالرغم من الدعوات المتكررة لإعادة الإعمار وتوفير الدعم العاجل للمدنيين، لم تُرصد حتى اللحظة أي خطوات جدية لإطلاق برنامج حقيقي يعيد الحياة إلى القطاع المنكوب.

أصابع الاتهام تُوجّه لحماس… وغضب شعبي يلوح في الأفق

وسط هذا المشهد القاتم، بدأت أصوات داخلية تتصاعد، موجهةً أصابع الاتهام إلى حركة “حماس” التي تسيطر على القطاع منذ عام 2007، باعتبارها طرفًا أساسيًا في تعقيد المشهد السياسي والاقتصادي. ويتهمها كثير من السكان بتحمّل مسؤولية جزء كبير من الأزمات المتلاحقة، سواء بسبب سياساتها الداخلية، أو بسبب التصعيدات العسكرية التي كانت لها تداعيات كارثية على البنية التحتية والمواطنين.

يقول أحد المواطنين من مدينة خان يونس: “نحن لسنا فقط ضحايا القصف، بل أيضًا ضحايا قرارات سياسية غير محسوبة. لا كهرباء، لا ماء، لا طعام، وأبناؤنا بلا مدارس أو علاج. إلى متى نصبر؟”

ومع تزايد الاحتقان الشعبي، يتحدث كثيرون عن احتمالية خروج مظاهرات واحتجاجات في الشوارع رفضًا للواقع القائم، وللمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية، ورفع الحصار، وإيجاد حلول حقيقية تضع حدًا لمعاناة دامت سنوات طويلة. وتشير التوقعات إلى أن الأيام المقبلة قد تشهد حراكًا شعبيًا واسعًا، في حال بقيت الأزمات تراوح مكانها دون أي تحرك فعلي أو تدخل عاجل

دمار بلا نهاية

وفقًا لبيانات رسمية، تم تدمير آلاف الوحدات السكنية والمنشآت الخدمية، بما في ذلك المدارس والمستشفيات، خلال الحرب الأخيرة، بينما لا يزال عدد كبير من العائلات يعيش في خيام مؤقتة أو ملاجئ غير مهيأة. ويؤكد المسؤولون في غزة أن وتيرة المساعدات بطيئة، في حين أن الجهات الدولية لا تفي بالتزاماتها تجاه القطاع.

يقول أحد سكان حي الشجاعية شرقي غزة: “نعيش وسط الركام منذ شهور، لم نرَ أي آلية لإزالة الأنقاض أو إعادة البناء. أطفالنا ينامون في العراء، ولا نعرف إلى متى سنظل هكذا”.

أزمة غذاء خانقة

إلى جانب الدمار، يعاني سكان غزة من أزمة غذائية خانقة، حيث تفيد تقارير من منظمات دولية مثل برنامج الغذاء العالمي بأن ما يزيد عن 80% من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي بدرجات متفاوتة. وتعتمد غالبية العائلات على المساعدات الإنسانية التي بالكاد تكفي لسد الحد الأدنى من الاحتياجات اليومية.

ويقول أحد مسؤولي الإغاثة العاملين في القطاع: “المخزون الغذائي يتضاءل بشكل مستمر، والمعابر لا توفر الحد الأدنى من التدفق المطلوب للمساعدات. نحن أمام أزمة إنسانية بكل المقاييس”.

تدهور في جميع القطاعات

لم تقتصر الأزمة على الغذاء والسكن فقط، بل امتدت لتشمل القطاعات الصحية والتعليمية، حيث خرجت عشرات المدارس عن الخدمة، وأصبحت المستشفيات غير قادرة على التعامل مع الحالات الطبية المعقدة في ظل النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية.

من جانبه، حذّر المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) من أن الأوضاع في غزة قابلة للانفجار في حال استمرار التدهور، داعيًا إلى تدخل دولي عاجل لإدخال المساعدات وبدء خطة شاملة لإعادة الإعمار.

غياب الأفق السياسي

ورغم حجم الكارثة، لا يبدو في الأفق أي تحرك سياسي جاد لإطلاق عملية إعادة الإعمار، وسط تعقيدات مرتبطة بالحصارList المفروض على القطاع، والانقسام السياسي الفلسطيني، وتباطؤ الاستجابة الدولية.

ويخشى السكان أن تستمر معاناتهم لسنوات أخرى كما حدث بعد الحروب السابقة، حيث بقيت بيوت كثيرة مهدمة دون أن تصلها يد الإعمار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *