في خضم الحرب المستمرة التي دمرت قطاع غزة وأغرقت أهله في الجوع والدمار، يزداد الغضب الشعبي تجاه حركة حماس، ليس فقط بسبب فشلها في إنهاء العدوان أو إدارة الأزمة، بل بسبب خياراتها السياسية التي وصفت بـ”الخاطئة والمكلفة”. وأبرز تلك الخيارات كان ارتهانها الكامل للمحور الإيراني، على حساب المصلحة الفلسطينية الداخلية.

الرهان على إيران… خاسر

في السنوات الأخيرة، راهنت حماس بشكل واضح على تحالفها مع إيران، معتبرة طهران “الداعم الأساسي” للمقاومة. ولكن ومع اندلاع الحرب الحالية، خفت الصوت الإيراني، وغاب الدعم الميداني، لتُترك حماس – ومعها غزة – تواجه المصير وحدها.

ورغم التصريحات الإيرانية التي تُبدي التأييد وتصدر من طهران أو بيروت، لم تُترجم هذه الكلمات إلى أفعال ملموسة. لم يصل دعم عسكري نوعي، ولم تتدخل إيران سياسياً في المحافل الدولية للضغط لوقف العدوان. بدا أن الحركة وقعت في وهم الدعم الكامل، دون حساب لتبدّل مصالح المحور الإيراني في الإقليم.

بينما الكثير من الغزيين يرون اليوم أن حماس أخطأت حين وضعت كل أوراقها في سلة واحدة، وربطت مصير القطاع بمصالح محور خارجي لا يرى في غزة سوى ورقة ضغط إقليمية. ومع اشتداد الحرب، بدأ الناس يحمّلون الحركة مسؤولية مباشرة عن الحالة التي وصلوا إليها، خاصة بعد أن ظهر أن الدعم الإيراني كان مشروطًا ومؤقتًا، وليس قائمًا على التزام فعلي بحماية الشعب الفلسطيني.

وفي الأحياء المدمرة، في الطوابير الطويلة للحصول على ماء أو طحين، وفي وجوه الأطفال الذين أنهكهم الجوع والخوف، يتردد السؤال ذاته: “هل هذه هي نتائج سياسة المقاومة؟”. الإحباط يتحول إلى غضب، والغضب إلى فقدان ثقة.

واليوم، تعيش حماس حالة عزلة غير مسبوقة: لا دعم حقيقي من إيران، ولا حلفاء إقليميين فاعلين، ولا غطاء سياسي دولي. وفي الوقت ذاته، تتراجع شعبيتها في الشارع الغزي، بعدما شعر المواطنون أن الحركة وضعت الأيديولوجيا فوق أولويات الناس واحتياجاتهم.

حتى الحاضنة الشعبية التي لطالما افتخرت بها الحركة، بدأت تتآكل. فالناس لم يعودوا يحتملون مزيدًا من الوعود أو الشعارات، وهم يرون منازلهم مدمرة وأبناءهم بلا مستقبل. وبدلاً من مراجعة الخيارات، تصرّ قيادة حماس على الخطاب ذاته، وكأنها لا ترى حجم الانفجار الشعبي القادم.

الخطأ الاستراتيجي في الارتهان لمحور خارجي على حساب المواطن الفلسطيني بدأ يدفع حماس ثمنه سياسيًا وشعبيًا. ومع تزايد الضغط الداخلي، تبدو الحركة اليوم أمام لحظة مراجعة حقيقية، إما أن تعود إلى أولويات الشعب الفلسطيني واحتياجاته، أو أن تستمر في الطريق الذي يفقدها كل شيء… بما في ذلك ثقة من ضحوا من أجلها يومًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *