تشبثت قطر بحماس طويلاً، في علاقة تعود لزمن فوز الحركة بانتخابات عام 2006 التشريعي، يوم أدركت الدوحة أن نفوذًا سيكون لحماس في قطاع غزة، وعليه فإن ثمة فرصة سانحة لدورٍ وسيط.
وهنا يصح التذكير بنهج الدبلوماسية القطرية، القائم على احتواء حركات وفصائل مسلحة بالنيابة عن المجتمع الدولي لا سيما الولايات المتحدة، على غرار وساطتها بين واشنطن وحركة طالبان عام 2018.
نعود للعلاقة المتميزة بين قطر وحماس، في انقلاب 2007 في قطاع غزة، كانت قطر من بين الدول القليلة التي واصلت التعامل مع حماس، بل إنها عززت علاقتها معها، وباتت تدير رعاية شبه احتكارية للحركة.
وفي عام 2012 بات أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني أول رئيس دولة يزور قطاع غزة في ظل حكم حماس.
وفي العام نفسه، شهد انتقال مقر إقامة قادة حماس في الخارج إلى العاصمة الدوحة، بانسحاب الحركة من دمشق في أعقاب الحرب السورية التي اندلعت عام 2011.
الدعم القطري لحماس، تجلى بتمويل المؤسسات الحكومية التي سيطرت عليها الحركة في غزة طيلة سنوات حكمها، وتشير أرقام غربية، إلى أن حجم الأموال التي سددتها الدوحة تجاوز 1.8 مليار دولار حتى عام 2021.
تحديات الوساطة القطرية
لكن هذا الدور اليوم، تلافحه التحديات. فواشنطن وتل أبيب اللتان لطالما ذكرت التقارير رعايتهما لدعم قطر السياسي والمالي لحماس، تتذمران اليوم من تقاعسٍ في أداء دور الوساطة بينها وبين تل أبيب حيال اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وعدم الضغط بما يكفي على الحركة، لانتزاع التنازلات.
وبلغ الأمر أن طالب بلينكن الدوحة بطرد قادة حماس لديها ما لم يلينوا من شروط تفاوضهم، فضلاً عن مواقف في الكونغرس طالبت البيت الأبيض بإعادة تقييم علاقته مع قطر.
وللدوحة في ذلك أعذار، لأن حماس اليوم حماسان، تأخذ قطر تعهدًا من إسماعيل هنية، هو نفسه لا يستطيع أن يمليه على يحيى السنوار. فقيادة حماس التي تستضيفها ليس لديها إلا القول، بينما الفعل والقرار هو لقادة غزة.
ثم إنّ مراجعة الدوحة لعلاقة بحماس كانت لتكون تحصيل حاصل فور انتهاء الحرب على ما توحي به المعطيات الميدانية.
ذاك أن أي هزيمة قاسية لحماس، تفضي بشكلٍ أو بآخر، إلى إخراجها عسكريا وسياسيًا من القطاع سيعني أن الحركة ستتحول من فرصةٍ لقطر إلى عبء عليها، باعتبار أن حماس سفقد نفوذها في غزة.
حماس قد تغادر قطر
كل ما ذكر، يتيح الاعتقاد بأن انتقال قيادة حماس إلى عاصمة أخرى بات احتمالاً واردًا، والوجهة المقبلة للحركة المنبثقة من النهج الإخواني، خياراتها قليلة جدًا، وتناقضاتها كثيرة جدً.
إذا بدأنا بإيران، أو أي من العواصم العربية التي تتغنى بالسيطرة عليها، وهنا نذكر بيروت ودمشق وصنعاء وبغداد، فهي وجهات لا يفضلها الفاعلون الدوليون، لأنها ستجعل حماس أطوع بيد طهران، على نحو يصعب انتزاع تنازلات منها. اللهم إلا إذا منيت حماس بهزيمة ماحقة، بحيث يقتصر تأثيرها على ما هو هامشي.
حماس نفسها ربما لا تحبّذ الضيافة الإيرانية، تفاديًا لتسديد الأثمان السياسية الباهظة عند الإقامة لدى مضيف متطلّب. كما أن قادتها سيكونون أهدافًا سهلة لآلة الاغتيال الإسرائيلية.
ربما أنقرة!
بيد أنّ وجهة أخرى على ضفاف البوسفور تنتظر حماس، ربما تفضلها هي، بقدر ما يريدها لها المجتمع الدولي.
وأنقرة التائقة إلى دور راجح في الملف الفلسطيني، تشعر أن لديها كل ما يلزم لاستضافة حماس، جسورها ممتدة إلى كل جانب، علاقة جيدة مع حماس، ومتشابكة مع إسرائيل، واستراتيجية مع الولايات المتحدة.. وصفة قد تكون مثالية لوسيط مقبول.
خلال زيارته الأخيرة إلى قطر. قال هاكان فيدان وزير الخارجية التركي إن دولاً غربية ترغب بإحياء حل الدولتين. ثم عرّج على تخوف هذه الدول من حماس، معقبًا أنها ستقبل بها حزبًا سياسيًا منزوع السلاح، وقد أشار لقبول حماس بهذا الخيار، في ترجيح بأن أنقرة ستتكفل بهذا العبور.