بينما تتراجع قوة إيران الإقليمية إثر الضربات الإسرائيلية الأخيرة والانهيار الداخلي في طهران، تتكشف ملامح مرحلة جديدة في المشهد الفلسطيني، تتسم بالعزلة، وغياب الحلفاء، وتَصَدُّع القيادة، ما يضع الضفة الغربية وقطاع غزة أمام مستقبل غامض ومفتوح على الاحتمالات.

ففي الوقت الذي كانت فيه طهران تُقدِّم نفسها كلاعب أساسي في محور دعم المقاومة الفلسطينية، بات من الواضح أن إيران باتت عاجزة – أو غير راغبة – في مواصلة هذا الدور. فقد انشغلت مؤسسات النظام الإيراني بالصراعات الداخلية، والانكشاف العسكري أمام التفوق الإسرائيلي، ليجد الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة مفتوحة مع الاحتلال، بلا غطاء إقليمي أو دعم فعلي.

غزة وحدها.. والضفة في فراغ

في قطاع غزة، الذي طالما اعتبرته إيران منصة متقدمة في مواجهتها مع إسرائيل، تبدو المقاومة اليوم معزولة، في ظل غياب الدعم العسكري النوعي، وتراجع التحركات السياسية التي كانت تنشط سابقًا في أوقات الأزمات.

أما في الضفة الغربية، فالصورة أكثر هشاشة. فالقيادة الفلسطينية برئاسة محمود عباس (أبو مازن) تواجه حالة من التآكل السياسي، في وقت تتسع فيه رقعة الاقتحامات الإسرائيلية، وتتصاعد اعتداءات المستوطنين، دون ردود فعل مؤثرة، لا محليًا ولا خارجيًا.

أبو مازن في لحظة الحسم

الرئيس محمود عباس، الذي يبلغ من العمر 89 عامًا، لا يزال على رأس السلطة رغم غياب الانتخابات منذ قرابة عقدين. ومع تراجع الدور الإيراني وغياب الدعم العربي الفعّال، تبدو القيادة الفلسطينية محاصرة من الداخل والخارج. وفي ظل تساؤلات متزايدة عن مستقبل الحكم في الضفة الغربية، يزداد القلق من دخول السلطة في مرحلة ما بعد عباس دون ترتيب سياسي أو توافق وطني.

ويقول مراقبون إن ضعف إيران، وانكفاءها عن الساحة الفلسطينية، يكشف هشاشة “استراتيجية الرهان على الحلفاء”، ويؤكد أن أي مشروع وطني فلسطيني لا بد أن يكون قائمًا على استقلالية القرار، وبناء مؤسسات داخلية قادرة على الصمود دون انتظار الدعم من قوى إقليمية مشغولة بأزماتها.

غياب إيران.. وغياب الأفق

غياب الدعم الإيراني لا يعني فقط تراجع التسليح أو الخطاب السياسي، بل يُعبّر عن لحظة فارقة يواجه فيها الفلسطينيون قدرهم وحدهم، وسط مشهد دولي مرتبك، وصمت عربي لافت.

في هذا الواقع، تُترك الضفة الغربية مكشوفة أمام آلة الاحتلال، دون مقاومة موحدة، أو مشروع سياسي جامع، بينما يغرق قطاع غزة في الحصار، دون أفق واضح للخروج.

وبينما تتخلى طهران بصمت، وتكتفي البيانات العربية بالشجب، تتجه أنظار الفلسطينيين نحو الداخل، حيث بات واضحًا أن مرحلة جديدة بدأت، لكن دون قيادة واضحة، أو تحالفات حقيقية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *