بقلم/ حسن فحص

 

يبدو أن الخلافات المتعلقة بالموقف من الحرب المستمرة في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة “حماس” قد بدأت في التسرب من داخل هذه المؤسسة العسكرية التي تسيطر على قرارات ونظام إيران. يمكن وصف هذا الصراع بأنه صراع بين الأذرع المتشددة وليس بين الصقور، وبين العقل البارد الذي يهدف إلى استغلال هذه المعركة لصالح مصالحه الاستراتيجية دون تحمل أي مسؤولية مباشرة أو التعرض للهجمات، أو تصعيد علاقاته الإقليمية والدولية.

يمكن أن يُصف رد فعل المرشد النظام والقائد العام لحرس الثورة الجنرال حسين سلامي على التصريحات التي أدلى بها المتحدث باسم الحرس الجنرال رمضان شريف بأنه محاولة لتصحيح الموقف والعودة للمسار المطلوب الذي وضعه المرشد الأعلى في ثالثة أيام عملية “طوفان الأقصى”، ونفى فيه أن يكون لإيران أي دور في توقيت هذه العملية، مؤكدًا التزام بلاده بدعم ومساندة جميع القوى والفصائل الموالية لإيران التي تعمل ضمن إطار “محور المقاومة”.

 

قبل عدة أيام، أبدى رمضان شريف رأيه بشأن عملية “طوفان الأقصى” ووصفها بأنها انتقام لاغتيال قائد قوة القدس، قاسم سليماني، في الثالث من يناير 2020 في بغداد. قامت حركة حماس بتنفيذ هذه العملية باعتبارها جزءًا من محور المقاومة التي تقودها إيران. أثارت هذه العملية الاضطراب في الموقف الرسمي الإيراني تجاهها وتجاه كافة التطورات والأحداث الأمنية في المنطقة، من اليمن وباب المندب والعراق وحتى الحدود الجنوبية للبنان. وعلى الرغم من أن الدور الإيراني تعرض لخسائر جسيمة نتيجة اغتيال الجنرال رضي موسوي، إلا أن الوضع في الساحة السورية لا يزال مستقرًا.

 

يمكن القول بأن الحد من أعباء وتأثيرات هذا الموقف والكلام يمكن أن يتحقق إذا كان المتحدث ناقص الذكاء ولا يقدر أو يواجه صعوبة في تقدير المصلحة والتداعيات التي قد تنتج عن هذا الكلام. هذا قد يكشف عن أزمة داخلية في تركيبة القيادة في حرس الثورة وعن مُحادثات تدور حول معايير تعيين الأشخاص في المناصب الشاغرة داخلها، إذ أصبحت معايير الولاء والطاعة والمحسوبية تهيمن على توزيع المناصب بدلاً من المهارة والكفاءة.

لا شك أن النظام الإيراني، بزعامته السياسية والروحية والعسكرية، ينظر إلى عملية “طوفان الأقصى” من منظور أوسع وبأبعاد استراتيجية تخدم مشروعه الاستراتيجي في المنطقة وعلى الساحة الدولية. لذلك، من غير المصلحة أن توجه أو تصنف هذه العملية ضمن إطار أقل استراتيجية وتعتبرها انتقاماً لمقتل شخص محدد. وطبقاً لتصريح المتحدث باسم الحرس، إذا كانت عملية “حماس” قد خلقت فرصاً للتعامل مع تغيرات مفتوحة أمام القوى الإقليمية والدولية، فهل ستقوم إيران بالانخراط في معركة جديدة انتقاماً لمقتل الجنرال الجديد رضي موسوي؟ وأي من القوى المؤيدة لها مستعدة لخوض تجربة مماثلة؟ وهل ستكون قادرة على تحمل تبعات وأعباء مثل هذه المعركة الجديدة؟

بعيداً عن المواقف الإيرانية التي سارعت إلى التقليل من التداعيات السلبية والنتائج التي قد تتبع هذا الكلام، استدعت كل الجهات الرسمية والعسكرية ذات العلاقة للتعديل واحتواء النتائج السلبية التي قد تنجم عن هذا الموقف وما قد يحدث من تداخل للأمور الإيرانية وإعادة وضع طهران في خانة الاستهداف وتحمل المسؤولية التي كانت تسعى لابتعادها عنها، وسهمت الولايات المتحدة وعواصم أوروبا في ذلك عن طريق التأكيد على عدم وجود دلائل على تورط طهران في عملية “طوفان الأقصى” لمنع التفاقم والخروج عن السيطرة وتحول المعركة إلى حرب إقليمية شاملة ومدمرة.

وصف المرشد الأعلى الذين يحاولون ربط ما قامت به “حماس” ضد إسرائيل بأنهم يعانون من نقص الوعي الأدنى ويستخدمون البرغم الفلسطيني والإنساني لـ “حماس”. هذا الوصف أجبر مكتبه على نشر فيديو يجمع بين موقف المرشد من استقلالية قرار “حماس” وخطاب القائد العسكري لـ “كتائب القسام” محمد ضيف في بداية العملية. أما كلام قائد قوة القدس إسماعيل قاآني فقد جاء لتكملة موقف قائده سلميًا بشأن استقلالية القوى المتحالفة والموالية لإيران وحريتها في اتخاذ القرار الذي يخدم مصالحها في الوقت الذي تجده مناسبًا لها، دون أن يتعارض مع المصالح الاستراتيجية لإيران أو يؤثر عليها سلبًا.

محاولات المتحدث الرسمي باسم الحرس لإصلاح الوضع والبحث عن حلول لما حدث لم تكن ناجحة في تقليل التأثيرات السلبية، سواء على الدور الإيراني أو على موقف “حماس” التي استنكرت ما صدر عن المؤسسة العسكرية الإيرانية ووجدت نفسها في موقف غير مرغوب فيه. وقد تستمر في المستقبل المعارك المستمرة واستغلال الدم الفلسطيني لصالح مشاريع إيرانية.

تضع الأخطاء الاستراتيجية إيران في موقف الاتهام والتورط، وقد لا تقتصر على ما صدر عن المتحدث باسم الحرس الذي لم يعتذر أو يدفع الحرس للتصريح ببيان رسمي ينفي ما صدر عن قادة منه. فالقادة المتشددون يصرون على تصعيد الأمور ويعلنون مواقف متأثرة بالانبهار والتي تسيطر على أفكارهم وتدفعهم للتنافس في الوقت لكي ينتزعوا ويسرقوا أي إنجاز قد يحدث في المنطقة ويضمه لقائمة الإنجازات الاستراتيجية لإيران والسلطة الحاكمة. وفي هذا السياق، يمكن فهم موقف المسؤول عن التنسيق في الحرس الثوري “اللواء الدمج” محمد رضا نقدي، الذي حذر الولايات المتحدة من إمكانية “ظهور قوى جديدة تعمل على قطع جميع الممرات البرية والبحرية وتتوقع إغلاق البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق بعد باب المندب والبحر الأحمر”، وهذا الموقف يضع إيران في دائرة المسؤولية المباشرة عن ما يحدث في البحر الأحمر والأنشطة التي يقوم بها جماعة الحوثي في باب المندب.

بلا شك أن هذه الأوضاع قد تضع سياسة “التشويش البنّاء” التي اعتمدتها طهران في التعامل مع حرب غزة، سواء كان ذلك في مساهمتها في جهود الدبلوماسية الدولية لمنع التصعيد، أو في الحفاظ على مواقفها المؤيدة للقوى والفصائل المتحالفة أو الموالية لها، في موقف تهديد وربما يفسد كل الجهود التي بذلها النظام للابتعاد عن المسائلة المباشرة أو مواجهة إمكانية استهدافها والتسبب في خسائر على جميع المستويات، بالإضافة إلى ما تكشف عنه من عجز في تقدير المصلحة بين القادة الذين من المفترض أنهم من الصفوف الأولى ويقودون المصالح الاستراتيجية للنظام.

* نقلا عن ”  إندبندنت عربية