وسط حالة من الفوضى الأمنية والانهيار المعيشي في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، برز اسم “ياسر أبو شباب” كلاعب جديد في المشهد الميداني، مثيرًا جدلاً واسعًا بين الفلسطينيين، ومتهمًا بتنفيذ أجندات إسرائيلية على الأرض تحت غطاء محلي مسلح.
أبو شباب، وهو بدوي من قبيلة الترابين، سبق له أن قضى سنوات في سجون داخل غزة بتهم تتعلق بالمخدرات والسرقة، قبل أن يُفرج عنه بعد تدمير مقرات أمنية خلال العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023. لم يكد يخرج حتى بدأ بتشكيل مجموعة مسلحة تُعرف بـ”القوات الشعبية” أو “جهاز مكافحة الإرهاب”، بمساعدة إسرائيلية مباشرة.
مع ضعف قبضة حماس على غزة وتراجع قوة شرطة القطاع، ظهرت عصابات لسرقة المساعدات الإنسانية من القوافل وإعادة بيعها. لكن العديد من القوافل تُوقف وتُنهب من قبل مدنيين يائسين.
وصرح أبو شباب لشبكة CNN بأنه يقود “مجموعة من المواطنين من هذا المجتمع الذين تطوعوا لحماية المساعدات الإنسانية من النهب والفساد”.
الواقع أكثر تعقيدًا
أقر مسؤولون إسرائيليون بتزويد ميليشيا “أبو شباب” بالأسلحة، كجزء من عملية لتسليح الجماعات المحلية لمواجهة حماس. دافع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن هذه العملية السرية في وقت سابق من هذا الأسبوع، قائلاً إن قوات الأمن “نشطت مجموعات في غزة معارضة لحماس”. لم يذكر اسم أبو شباب، لكن مسؤولين إسرائيليين قالوا لشبكة CNN إن أبو شباب جزء من البرنامج.
وخلال مقابلة مع شبكة الـ CNN قال أن رجاله لم يتلقوا أسلحة من الإسرائيليين، موضحًا: “معداتنا بسيطة للغاية، توارثناها عن أجدادنا أو جُمعت من موارد محلية محدودة”.
من جانبها، تصف “حماس” أبو شباب بأنه “خائن ورجل عصابات”. وفي الأسبوع الماضي، قالت الحركة: “نعاهد الله على مواصلة التصدي لأوكار هذا المجرم وعصابته مهما كلفنا ذلك من تضحيات”.
قتلت “حماس” شقيقه العام الماضي، وحاولت اغتياله مرتين على الأقل، وفقًا لمحمد شحادة، محلل شؤون غزة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
وبحسب تقارير صحفية، فإن ياسر أبو شباب تلقى دعمًا ماديًا وتسليحيًا من جهاز الشاباك الإسرائيلي، في إطار خطة تهدف إلى خلق قوة أمنية محلية في رفح تكون بديلة لحماس وتعمل على “فرض النظام”، من وجهة النظر الإسرائيلية. وتشير التقديرات إلى أن هذه المجموعة تضم ما بين 100 إلى 300 عنصر، بعضهم من عناصر أمن سابقة.
إلا أن هذا التشكيل قوبل برفض شعبي واسع، لا سيما بعد تواتر اتهامات بنهب شاحنات المساعدات الإنسانية التي تمر عبر معبر كرم أبو سالم، وبيعها في الأسواق بأسعار باهظة، في وقت يعاني فيه سكان القطاع من الجوع والحصار.
في موقف غير مسبوق، أصدرت عائلة أبو شباب نفسها بيانًا أعلنت فيه التبرؤ منه، معتبرة أنه خرج عن الصف الوطني والأخلاقي، ودعت إلى “هدر دمه” وتصفية حسابه بأيدي أبناء المجتمع. كما أكدت قبيلة الترابين أنها لا تغطي أفعاله ولا تمت له بأي صلة بعد الآن.
مواقف متضاربة ومحاولات لتبرير الوجود
ورغم كل الاتهامات الموجهة إليه، خرج ياسر أبو شباب في عدة تسجيلات صوتية ليدافع عن نفسه، قائلاً إن مجموعته تعمل تحت “الشرعية الفلسطينية” وتنسق مع السلطة في رام الله، وإن هدفها حماية السكان من الفوضى وتأمين المساعدات وليس سرقتها. كما دعا السكان إلى العودة لمنازلهم شرق رفح، مدعيًا أن جماعته تؤمّن الحماية لهم.
لكن السلطة الفلسطينية نفت رسميًا أي علاقة لها بأبو شباب أو تشكيلاته المسلحة، معتبرة أن ما يجري هو “حالة منفلتة لا تعبر عن المشروع الوطني”، وفق تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية.
في ظل تصاعد الغضب الشعبي، وتكثيف عمليات المقاومة ضده، يواجه ياسر أبو شباب مصيرًا غامضًا. فبينما تتراجع قدرته على التحرك بحرية، تتوسع دائرة الرفض الشعبي والقبلي له، ما يجعله في موقع لا يحظى بأي غطاء سياسي أو اجتماعي.
وتبقى قضيته مثالًا حيًا على تعقيد المشهد الفلسطيني في غزة، حيث تحاول أطراف خارجية فرض أمر واقع جديد عبر أدوات محلية، لكن دائمًا ما يُقابل ذلك بحساسية وطنية حادة ورفض داخلي واسع