تفترض الأنباء الواردة من فيينا أن انهياراً أمريكياً إضافياً مقبل على الطريق وفقاً لتوقع الكاتب السياسي في مجلة “واشنطن إكزامينر” مايكل روبين. تتوسط أوروبا لإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، ومع رفع العقوبات والسماح بمبيعات النفط، ستجني السلطات الإيرانية عشرات المليارات من الدولارات، وسيتدفق الكثير منها إلى خزائن الحرس الثوري. بينما يحاول البيت الأبيض تصوير الاتفاق على أنه صلب ومضمون تشير الوقائع إلى عكس ذلك.

لا تندلع الحروب في الشرق الأوسط بسبب النفط أو الماء لكن بسبب الثقة المفرطة. هذا هو الخطر الحقيقي حسب روبين

لقد قلب اتفاق 2015 الأساسي عقوداً من سوابق الحد من الانتشار النووي. لكن الاتفاق الشبيه في 2022 سيحقق أقل من ذلك حتى. لن تنتهي صلاحيات بنوده تاركة إيران ببرنامج نووي على مستوى صناعي غير مقيد بالعديد من الضوابط وحسب، بل تزعم الحكومة الإيرانية أن الاتفاق المعروض يغلق ملف التحقيقات في الغش الإيراني. قد يصفق فريق بايدن لنفسه لكنه لا يخدع أحداً في المنطقة.

رهان على التهذيب
الحقيقة حسب روبين أن الاتفاق النووي الجديد هو اعتراف ضمني بأن بايدن لا يملك خطة باء. بينما ثمة خطوات ملموسة قد تتخذها إدارة أكثر ابتكاراً بدءاً بتجديد حملة الضغط الأقصى التي اتبعها وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، يسعى بايدن ببساطة إلى تأجيل المشكلة على أمل أن يكون القادة الإيرانيون مهذبين كي ينتظروا بما فيه الكفاية حتى يحمّل مناصروه الرئيس المقبل مسؤولية القنابل النووية الإيرانية. صناعة الوهم شيء والتعامل مع الواقع شيء آخر. السؤال الذي يجب على الولايات المتحدة التعامل معه هو ما الذي سيعنيه إعلان إيران، كما فعلت كوريا الشمالية في 2006، أنها أصبحت دولة نووية.

إيران محظوظة
ستخسر الولايات المتحدة قدرتها على ردع إيران. لأكثر من أربعة عقود، كان النظام الإيراني محظوظاً بشكل استثنائي لأن الولايات المتحدة كانت عدوته. شنت إيران حرباً متواصلة ضد أمريكا لكنها تفادت الانتقام باستمرار. لم تدفع إيران قط ثمن الاستيلاء على السفارة الأمريكية واحتجاز 52 ديبلوماسياً كرهينة لأكثر من عام. وبالمثل، لم تتعرض لأي انتقام عسكري بفعل تفجير ثكنة المشاة البحرية في بيروت سنة 1983 وتفجير برجي الخبر سنة 1996 في المملكة العربية السعودية. وفي 2003، وعد مسؤولون إيرانيون ديبلوماسيين أمريكيين وبريطانيين بأنهم لن يتدخلوا في العراق لكنهم شرعوا بعد ذلك في التخطيط لاغتيال أكثر من 600 أمريكي، مجدداً من دون أي عواقب. وانطبق الأمر نفسه على تعذيب واغتيال العنصر السابق في مكتب التحقيقات الفيديرالي بوب ليفينسون واستمرار غارات المسيّرات على المنشآت الأمريكية في العراق. عانت إيران مرة واحدة فقط من عاقبة وازنة حين اصطدمت سفينة أمريكية بلغم إيراني.

ما شغل تفكيرها

بالرغم من ذلك، إن التهديد الأمريكي بالانتقام دائماً ما لاح في الأفق. من المرجح أن يكون ذلك قد تسبب بتفكير إيران مرتين قبل الإقدام على أي خطوة. أدرك الحرس الثوري أنه لو فجر سفارة أمريكية أو شجع وكلاءه على مهاجمة مطارات أو مدارس أو متاجر أمريكية فسيواجه على الأرجح رداً مدمراً. الدفاعات الجوية الإيرانية سيئة وللولايات المتحدة القدرة على تكرار نهاية قاسم سليماني مع كل الجنرالات الإيرانيين تقريباً.

لكن بمجرد أن تحصل إيران على ردعها النووي الخاص، ستسقط كل الرهانات. لن تنصح حتى أكثر إدارة أمريكية تشدداً بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران إذا كان ذلك يعني إطلاق الحرس الثوري أسلحته النووية ضد منشآت أمريكية في الإقليم أو حتى ضد الولايات المتحدة نفسها بما أن الحرس يواصل تطوير صواريخه.

إرهاب الثمانينات كيوم هادئ
يشير هذا الواقع بدوره إلى رسم خط أساس جديد تحتسب بموجبه إيران أنها قادرة على تصعيد عدوانها الإقليمي من دون تداعيات. يدعو روبين إلى توقع أن يبدو إرهاب الثمانينات كيوم هادئ بالمقارنة مع تلغيم إيران الخليج العربي وإطلاقها أسراباً من الطائرات بلا طيار لمهاجمة خصومها الإقليميين، وكل ذلك بناء على اعتقاد بأن “الأمريكيين عاجزون عن فعل أي شيء” كما يرد في لافتات البحرية التابعة للحرس الثوري.

لا تندلع الحروب في الشرق الأوسط بسبب النفط أو الماء لكن بسبب الثقة المفرطة. هذا هو الخطر الحقيقي حسب روبين. قد يعتقد بايدن بأنه يعزز الديبلوماسية، لكن عبر إقناع طهران بأنها قادرة على التحرك من دون عواقب، هو يهيئ المسرح لـ”حرب أبدية” في المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *