صراع أجنحة أم هشاشة أمنية؟ سؤال طرح نفسه على الساحة في اليمن، بعد إعلان مقتل القيادي الحوثي الرفيع أحمد الحمزي، في ظروف غامضة.

إلا أن إجابة ذلك التساؤل لم تشق طريقها إلى رواية مليشيات الحوثي التي تضاربت حول أسباب وظروف مقتله، من وفاته بمرض عضال، إلى أخرى تزعم مصرعه متأثرا بإصابته.

ومع غياب رواية رسمية موحدة وإن غلب على نعي قادة الحوثي رواية الوفاة متأثرًا بإصابة سابقة، أطلق العنان لتكهنات عدة، خاصة أن وفاة الحمزي، كانت واحدة من عمليات “الاغتيالات” التي طالت قادة عسكريين وأمنيين وزعماء قبائل غالبيتهم من الصف القيادي الأول للمليشيات، في وقت تفاقمت فيه صراعات الأجنحة التي تخوض حرب تصفيات صامتة ومتبادلة، وصلت إلى دار زعيم المليشيات في الأعوام الأخيرة.

وتقول مصادر يمنية ، إن الحمزي الذي يعد المسؤول الأول عن برنامج المُسيرات وما يعرف بـ”القوة الصاروخية” كان يرتبط بأجهزة مخابرات إقليمية ودولية مساندة للمليشيات، ما جعله عرضة أكثر من أي قيادي آخر للاغتيالات البينية بين الأجنحة الحوثية بصنعاء وصعدة.

صراع أجنحة

ويرى مراقبون، أن مقتل الحمزي، يعد نتيجة لصراعات أجنحة الحوثي، مستدلين على رؤيتهم، بتفجر الصراع خلال الآونة الأخيرة، عبر موجة تصفيات بينية، بينها اغتيال نائب الأمن المركزي للمليشيات العميد علي الغراسي مطلع 2018، ومصرع شقيق زعيم الحوثيين إبراهيم الحوثي في سبتمبر/أيلول 2019، بعد استدراجه مع مرافقيه إلى منزل وسط صنعاء.

وسبق اغتيال إبراهيم الحوثي الذي كان مسؤولا عن الأمن الوقائي، عمليات قتل واغتيال لعشرات القيادات، ضمن الصراع الداخلي بين قادة الميليشيات، منها مقتل قائد القوات الجوية والدفاع الجوي إبراهيم الشامي وتصفية الشيخ القبلي أحمد الشعملي والشيخ مجاهد قشيرة وغيرهم الكثير الذين تكتم مليشيات الحوثي على ظروف مقتلهم خشية الفضيحة الأمنية.

وفي عام 2020، قُتل عدد من القيادات؛ في مقدمتهم القيادي حسن زيد الذي كان يشغل منصب وزير في حكومة المليشيات بعد مقتله وسط صنعاء بعملية اغتيال مدبرة كشفت حجم الصراع بين أجنحة المليشيات.

أما عام 2021، فقد شهد الإطاحة بعشرات القيادات الأمنية والعسكرية كان أشدها وطأة تلك العمليات التي قتل فيها القيادي العميد سلطان زابن، المُعاقب من قبل مجلس الأمن الدولي والمطلوب الرابع للتحالف العربي اللواء ركن زكريا الشامي ووالده يحيى الشامي، والذي لفقت لهم المليشيات روايات مقتلهم بفيروس كورونا.

وفي عام 2022، تعرضت قيادات عدة للاغتيالات منها على يد مسلحين مجهولين وأخرى بكمائن مسلحة؛ أبرزهم: القياديان أبو علي داود الرزاحي وأبو الفضل الكبسي، فيما جرى تصفية زعماء قبائل وقيادات يمنية غير موالية للمليشيات الحوثي؛ منهم: السفير والدبلوماسي اللواء درهم نعمان الحكيمي، والقاضي محمد حمران، والذي تعرض لحملة تشهير وتحريض ممنهجة، قبل اختطافه وتصفيته.

العام 2023، لم يكن بدعًا من الأعوام السابقة؛ فشهد سلسلة من عمليات الاغتيالات؛ كان من بينها تصفية مليشيات الحوثي للشيخ ناصر طماح الكميم والشيخ حسين علي حاتم أمام مرأى الجهاز الأمني للمليشيات والتي لم تحرك ساكنًا لتعقب الجناة.

هشاشة أمنية

يرى خبراء يمنيون أن مقتل أحمد الحمزي كشف “هشاشة” منظومة الأجهزة الأمنية في مناطق سيطرة الحوثيين، مشيرين إلى أن النزيف الذي تشهده المليشيات على المستوى القيادي يجعلها تحت ضغط كبير وخوف من القادم المجهول الذي ينتظرها.

وبحسب المقدم في الجيش اليمني أحمد العاقل، فإن “ما يحدث في مناطق مليشيات الحوثي في الآونة الأخيرة، يكشف هشاشة منظومة الأجهزة الأمنية في مركز سيطرة المليشيات في صنعاء، وغيرها من المدن الذي ترزح تحت هيمنتها”.

وأوضح الضابط اليمني في تصريحات ، أن المليشيات الحوثية لطالما تشدقت بزعمها السيطرة على الوضع الأمني وتأمين المناطق والإمساك بزمام الأمور، إلا أن الواقع يثبت غير ذلك؛ فقياداتها لم تسلم من الاغتيالات والتصفيات البينية.

واستشهد العسكري اليمني، بمقتل القيادي الحوثي أحمد الحمزي الذي يعد مهندس عمليات تهريب الطيران المسير، في أحدث عملية اغتيال بددت فقاعات أسطورة ما يسمى “الأمن الوقائي” وجهاز “الأمن والمخابرات” المعنية بحماية أمثال هؤلاء القادة.

وأوضح أن حادث مقتل الحمزي ليس الأول ولن يكون الأخير؛ فسبقه اغتيالات لا حصر لها طالت قيادات في الصف الأول للمليشيات، خاصة في السنوات الأخيرة عقب جمود الجبهات وتحول الحرب إلى صراع صامت بمناطق الحوثي.

وأشار إلى أن عمليات الاغتيالات بمناطق الحوثي والتي تحدث في وضح النهار، تقود إلى “قناعة تامة بهشاشة المنظومة الأمنية والاستخباراتية”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *