أكد الدكتور محمود محيي الدين، رائد المناخ للرئاسة المصرية لـCOP27، أنه متفائل بما ستخرج به قمة cop28.
وقال إن التمويل دون تكنولوجيا غير كافٍ لمواجهة قضايا المناخ في العالم .
ما هي رؤيتك لأولويات مؤتمر المناخ cop28 في دبي نوفمبر/تشرين الثاني المقبل؟
في ظل الأمور المتسارعة التي يمر بها العالم، هناك مستجدات كثيرة -والتي نتمنى أن تكون أفضل مما عليه الآن- قد يكون من الصعب التكهن بما سيتم، ولكن في ظل ما هو قائم حاليا، هناك بعض القضايا المحددة المًكلف بها مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخي المقبل cop28 في دبي، كعادة مؤتمرات الأمم المتحدة للمناخ، وتُشكل المسألة بثلاثة أبعاد، أولها، ما هو مستكمل من قمة سابقةcop27، كما كانت قمة شرم الشيخ 2022 حيث استكملت ما تم من قرارات في قمة غلاسكو 2021، وثانيا، المستجدات على الساحة في ظل الأخذ في الاعتبار أن قضية المناخ لها أبعاد سياسية واقتصادية ومالية وتنموية، والبعد الثالث ما يتشكل من قضايا، وهو منوط برئاسة كل قمة من ترتيبات وأولويات رئاستها والمقترحات التي يتم وضعها للتركيز عليها، ودائما تكون متوافقة مع اتفاق باريس، وما يتوقعه الجميع، ولكن لكل قمة بعض الأمور التي تُكسب مؤتمر الأطراف ميزة إضافية ونكهة خاصة، وهذا هو المغزى من اختيار دولة مختلفة كل عام لاستضافة هذا المؤتمر الدولي الهام، وهناك مخزى على مدار السبع والعشرين عاما من أن تستضيف دول مختلفة كل عام قمة المناخ، لتكسبها زخما جديدا.
ماذا يميز مؤتمرات المناخ السابقة على الأقل منذ قمة باريس التي تعد فاصلة في قمم المناخ؟
ما يميز كل قمة أن هناك من أضاف على القمة أبعادا تنظيمية قانونية كما حدث في قمة باريس 2015، باتفاق المناخ أو اتفاقية باريس الشهيرة، وهناك من ركز على فكرة المشاركة بين القطاعين العام والخاص، كما هو الحال في قمة مراكش 2016، ويرجع لها الفضل فيما يُعرف بـ”أبطال المناخ” أو رواد المناخ، والمشاركة بين القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية، والمجتمع المدني وإن كانت موجودة من قبل لكن هذه القمة وضعتها في إطار أكثر تنظيما، وكذلك قمة غلاسكو cop26، يرجع لها الفضل في الاهتمام بالحفاظ على هدف 1.5 درجة مئوية، والتأكيد على هدف اتفاق باريس المتمثل في الحد من الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية، وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 45% للوصول إلى صافي صفري في منتصف القرن، وقمة شرم الشيخ cpp27، كانت لها عدة أبعاد.
وهو ما أكده وزير الخارجية السفير سامح شكري رئيس مؤتمر الأطراف السابع والعشرين، قبل أيام في مقال عن صندوق الخسائر والأضرار، والتأكيد على أن هناك عزما من رئاسة القمة المصرية أن تأخذ هذا الصندوق إلى محطته الأساسية وإطار عمله وآلياته، بعدما حققت نصرا دبلوماسيا وسياسيا حسبما وصفه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يضاف إلى ذلك أن مصر أكسبت القضية اهتماما مختلفا (وسعيد أني كنت قبل أيام في مؤتمر وتحدث عمدة لندن للشؤون المالية بأنه يجب أن نتوقف عن استخدام كلمة تعهدات)، ما يعني أن الرسالة وصلت بصورة واضحة من قمة شرم الشيخ إلى العالم المتقدم، معبرة عن الدولة النامية أنه قد فاض بها الكيل من عهود لا تنفذ ووعود لا تتحقق، وبالتالي الأهم الالتزام بأرقام محددة بجدول زمني وأرقام مالية ومشروعات محددة.
فجوة التكيف وثغرات التخفيف
وماذا عن الفجوة بين الاحتياجات الفعلية للدول النامية من التمويل المناخي المخصص للتكيف مع التغيرات المناخية والعهود الدولية؟
هذه القضية تحديدا مصر أكسبتها أهمية كانت مفتقدة، رغم أن ما ينص عليه اتفاق باريس، والتوصية بأن يكون التمويل مناصفة بين التكيف والتخفيف، إلا أن التطبيق العملي أثبت أن هناك انحيازا ناحية التخفيف، ولكن التقرير الأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ يقول إننا بحاجة لتقليل الانبعاثات الضارة بمتوسطات لا تقل عن 45- 50 % حتى 2030، وبدلا ما نخفف هذه الانبعاثات نزيدها بأكثر من 15%، مما يجعل خط الدفاع الأول، وهو “التخفيف” أصبح فيه ثغرات كبيرة، فيجب التصدي بخط الدفاع الثاني، “التكيف”، ومصر حققت عملا كبيرا، سواء في طريقة الإعداد، فكانت مشاركة بين رئاسة قمة شرم الشيخ ورواد المناخ، وأخرجت أجندة شرم الشيخ للتكيف وكلها أمور حيوية (الغذاء والزراعة- المياه واستعادة الأنظمة الطبيعية والطبيعة- الساحلية والمحيطات- المستوطنات البشرية- البنية التحتية ونظم الإنذار المبكر)، بما في ذلك الحلول التمكينية للتخطيط، وكل هذه المحاور تم التركيز عليها بأبعادها المالية والتكنولوجية، لتكون هذه محاور وآليات على الخريطة عمليا يمكن الرجوع إليها بشكل مستمر في قضية التكيف.
الملوثون الكبار
لماذا كل هذا الاهتمام بقضية التكيف على وجه التحديد؟
هذا طبيعي، لأن الدول العربية وأفريقيا والدول النامية ومنها مصر، تعاني من أخطار وآثار كبيرة جراء انبعاثات يُسئل عنها آخرون” والذين لا يحبون أن يسئلوا”، ومنهم من يكتفي بالخطب والمواعظ الإرشادية، و”هو بالوعظ أولى”، وهناك مقال مهم للاقتصادية الإنجليزية رئيسة البحوث السابقة في البنك الدولي عن “الأفيال التي في الحجرات”، فهذه الأفيال الكبيرة ناشئة من الملوثين الكبار والدول المتقدمة وذات الأسواق الناشئة، والدول المتقدمة أولى بالمسئولية لأنها تراكميا مسؤولة عما نحن فيه من مأساة منذ بدايات القرن التاسع عشر وعصر الصناعة، وما زالت مستمرة، وهذه نقطة جوهرية في النقاش (وأرجع ذلك لما قالته أستر دوفلو، الحائزة على جائزة نوبل في الاقتصاد) التي تقول إن السلوك الإنتاجي والاستهلاكي للدول المتقدمة هو السبب، فلا نلوم الدول مثل الهند والصين أو الدول الأفريقية، لأن هذه الدول تنتج بأنماط استُحدثت في الدول المتقدمة، وغالبا ما تكون مصدرة لسلع ومنتجات تستهلكها وتحتاجها الدول الغربية، والأمين العام للأمم المتحدة دائما ما يقول “إننا في حرب مع تغير المناخ”، وإذا كانت حرب، فلابد فيها من خطوط دفاع، وخط الدفاع الأول العبء فيه على الدول المتقدمة ولسبب مهم آخر، أيضا هو إذا لم يتم توفير التكنولوجيا والتمويل المناسب للدول النامية فلا بديل أمام هذه الدول للتغيير، فلا يجب أن نقول للدول النامية تخارجي من الفحم أو حتى الغاز الطبيعي رغم أنه في الوقت نفسه هنا في واشنطن- حيث أقيم- حملات إعلانية عبر وسائل التواصل والإعلام رسالتها “أنقذ البيئة وأنقذ المناخ واستخدم الغاز الطبيعي)، ففي الولايات المتحدة يشجعون على استخدام الغاز الطبيعي، في وقت يتم منع أو تحذر الدول النامية من استخدام الغاز الطبيعي، ويتم منع التمويل عن الدول، ومنها الدول الأفريقية خاصة أن غالبيتها مًدينة، ويتم إحالتها للاقتراض من المؤسسات المالية التجارية بفوائد كبيرة، وفترات سماح قليلة بجانب مخاطر سعر الصرف.
صندوق الخسائر والأضرار
وماذا عن صندوق الخسائر والأضرار فكيف سيتم صياغة آلياته في قمة دبي؟
صندوق الخسائر والأضرار سيكون محل تفاوض، لأن كل دولة لديها التزامات داخلية، وهناك دول مهتمة بالأمر، وبعض الدول لديها مجتمع مدني نشط، ومع احترامي للناشطين في العمل المناخي، بدلا ما يوجه طلقات وكلمات في الفضاء، فإذا كان من الدول المتقدمة فيحث هذه الدول على أن تخفف الانبعاثات، وثانيا أن تفي بتعهداتها المالية، وخاصة ما يتعلق بالتكنولوجيا، فالـ100 مليار دولار كما أوضحت قمة شرم الشيخ قضت على التناقض المزعوم بين تمويل التنمية وتمويل العمل المناخي، وأحدثت نقلة فعلية وفلسفية، فالحديث عن التحول للطاقة الجديدة، هنا نتحدث عن الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة، ولو نتحدث عن مياه، فهنا نتحدث عن الهدف السادس، ولو تحدثنا عن المياه، والزراعة والصحة، وهذه أهداف التنمية المستدامة، فمصر بتعاون مع قمة cop26 ، تم رصد الفجوة التمويلية ، والتي وصلت إلى الحد الأدنى تريليون دولار، بمعني أن الـ100 مليار دولار المتعهد منها منذ 2009 ، وتم التأكيد عليها في قمة المكسيك، وقمة باريس لا تمثل أكثر من 10 % من الحد الأدنى المطلوب حاليا لتمويل العمل المناخي وهذه يعني أن هذا التعهد يحتاج لمراجعة.
التقييم العالمي الأول
هل تنتظر أن تعالج قمة cop28 هذا الخلل؟
– هذا يصب في قمة دبي، فإحدى آلياتها ومناقشتها، هو التقييم العالمي، أو المسح العالمي التقييمي، وهو تكليف لأول مرة يتم منذ اتفاقية باريس، وهذا يضمن محاور أساسية (جهود التخفيف- جهود التكيف- التمويل- الأضرار والخسائر)، وهذه خطوط الدفاع الأساسية، وبناء على هذا التقييم ستتضح الكثير من الأمور التي يجب أن تقترن الالتزامات بنتائج التقييم.
هل الربط بين التمويل ونقل التكنولوجيا قد يكون محل تركيز في مؤتمر COP28؟
أتصور من رائدة الأمم المتحدة رفيعة المستوى للمناخ للرئاسة الإماراتية لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخي COP28 رزان المبارك، وفقا لخلفيتها واهتمامها وخبرتها الطويلة في مجال التنوع البيولوجي والحفاظ على الطبيعة أن تولي هذه القضية اهتماما خاصا، كبير ليس فقط في التنظيم ولكن أيضا في التركيز على نقل التكنولوجيا، والربط بين التكنولوجيا والتمويل -فالتمويل وحدة غير كاف- فالتمويل في كل القطاعات ومنها التخفيف والتكيف، في جميع المجالات تقريبا، التكنولوجيا عنصر أساسي، ففي أخر 10 سنوات تكلفة الطاقة الشمسية تراجعت حوالي 90%، وهكذا في كل المجالات المرتبطة بالتخفيف والتكيف، ومنها الهيدروجين الأخضر والبطاريات المتطورة هناك أبحاث كثيرة سيتم الإعلان عن نتائجها من وقت لآخر لابد أن تكون الدول النامية صاحبة حق الوصول لهذه التكنولوجيا بدون زيادة الأعباء عليها, وهنا أرجع لكتاب المؤرخ والاقتصادي خبير الطاقة الأمريكي دانييل يرجين (الخريطة الجديدة: الطاقة والمناخ وصراع الأمم 2020)، يتحدث عن أن التمويل لا يتعلق بالتكنولوجيا وفقط، بل ما يمكن أن تحققه التكنولوجيا من طفرات، فهناك مستويات مختلفة من المعرفة عن التكنولوجيا المتقدمة التي تنتظرها البشرية، وهذه لا بد أن تتشارك فيها الدول المتقدمة والنامية.
هل نتحدث هنا عن إمكانية إلزام الدول المتقدمة بنقل التكنولوجيا بجانب الإلزام المالي في مفاوضات cop28 المقبلة؟
لا نستطيع أن نقول إنه نوع من الإلزام، بل هو نوع من “الحث، فحتى يكون هناك تغيير يرتبط الأمر بثلاث محددات رئيسية (تمويل وتكنولوجيا وتغير سلوكي)، فكل شخص أو فئة تحركهم قواعد مختلفة للعمل في هذه القضية، فهناك من هو مقتنع بما يقترب من حد العقيدة أنه لابد من إحداث تغيير، وهناك من يأخذه من جانب اقتصادي بأن التغيير له عائد اقتصادي، وهناك من يحركه دافع الخوف من التدهور المستمر في الحياة والطبيعة، ومن هو قلق من جحافل المهاجرين إضرارا “اللاجئين المناخيين”، حتى أن الكاتب أيان بريمان أشار في كتابه، أن الاضطرابات في بعض البلدان مثل سوريا واليمن، حدث فيهما موجات من النزوح لمن أضيروا في مواردهم المائية ونزحوا فقرا إلى مدن اكتظت بهم، فالمشكلات الخاصة والصراع حول المياه واحد من مهددات الاستقرار في البلدان النامية.
ما هي رؤيتك لدعوات تسريع التخلّص من الوقود الأحفوري في مقابل من يدعو إلى تبني تقنيات احتجاز وتخزين الكربون كطريق للحد من انبعاثات الاحتباس الحراري؟
لا أنظر إلى هذه كبدائل إلا في الأجل القصير، فلا بد التأكيد أن وجود استراتيجية عادلة في الطاقة، وما يُعرف بالانتقال العادل للطاقة، وأذكر هنا مثالا أن أهم ما خرجت به قمة غلاكسو بشأن المشروعات للدول النامية كان الوعد بتقديم 8.5 مليار دولار لجنوب أفريقيا للتخارج من الفحم الاستثمار في الطاقة المتجددة والتي حتى الآن لم يتم الوفاء رسميا، فهنا يجب أن نقيس أولا الأثار المتربة على الجهات المضارة، بمعني أننا نرتب الأمور، أولا قبل قرار التخارج أو التغيير لا بد من النظر إلى الأثر المجتمعي، فلا يمكن أن نطالب المجتمعات النامية أن تتخلي على طرق إنتاج أو توليد الطاقة سواء الفحم أو الوقود الأحفوري- وكذا الدول بدون أن نوفر لها الوسائل أو الأدوات أو التمويل للانتقال للطرق الجديدة منخفضة الانبعاثات، فالمنطق والترتيب هنا مهم أن نرى الأثر المجتمعي والفئات التي ستضار من هذا الانتقال – ثم بعدها تكون سياسة أو مطالب التخارج من الطاقات الملوثة فهذا المنطق للأمور، وفي إطار مبادرة الانتقال العادل للطاقة اقترحنا على مجموعة السبع كدول نامية ليست كثيفة الاستخدام للفحم، ولكن لدينا مصادر أحفورية أخرى كالبترول، أن القطاعات كثيفة الانبعاثات لدينا كالأسمنت والحديد والصلب، والأسمدة، والنقل البحري، هناك من أصحاب الأعمال والدولة أيضا لديهم استعداد للتخارج أو التحول لتخفيف الانبعاثات، ولكن يريدون التمويل، وهنا نعود مرة أخرى إلى قضية توفير التكنولوجيا المناسبة والتمويل المناسب، فبدون أي من الطرفين (التمويل- التكنولوجيا) لا يكون أمام هذه الدول بديل.
هناك من يدعو لعقوبات أو قرارات إلزامية ووضع قيود على الدول النامية التي لا تتحول إلى الطاقات الجديد فهل يمكن تطبيق ذلك؟
موازين القوى في العالم الراهن لا تسمح لأحد بفرض رأيه أو قراراته على الآخرين، فلابد النظر للأمر من منطق تبادل المنفعة، والمشاركة والتكاتف الجماعي، أما غير ذلك فلن يتم الانتقال أو الالتزام، حتى لو تم منع التمويل من مؤسسات التمويل أو التعنت من مؤسسات، فهي الخاسرة في ذلك لأنها تضيع على نفسها خسائر .
كرائد مناخ، أيهما تفضل لخدمة المناخ والتسريع بالحد من الانبعاثات وأيهما ستزكي إذا ما حدث تفاوض في قمة دبي؟
كرائد مناخ مع أي إجراء من شأنه يخفض الانبعاثات الضارة بأي مستوى ولا أخذ موقف أيديولوجي متحيز مع أو ضد، كل الدول وكل الأفكار ما يخفض الانبعاثات بأي تكنولوجيا ممكنة وتمويل متاح، وولدي إيمان أن الأمر لن يتم إلا بالتفاوض والحوار للوصول لتوافق، فهناك وجهات نظر وحجج ومبررات لكل طرف، أما بالنسبة لي كدول نامية مستفيدين من كل هذه الحلول، فالتخلص من الوقود الأحفوري يخدمنا إذا ما تم تقديم تمويلات وتكنولوجيا، وإما أن يكون هناك خفض انبعاثات وتحسن استخدام بتقنيات اختزال وتخزين الكربون فهذا أيضا يخدمنا، فمثلا في مشروعات الهيدرجين الأخضر، حتى لو لدينا التمويل والقدرة والحل التكنولوجي والطاقة الخضراء، هناك قضية البنية الأساسية ونقل الطاقة من مواقع الإنتاج إلى مراكز الاستخدام وخطوط الربط وكذا التخزين، فالنقل والتخزين قطاعات هامة تحتاج بنية أساسية – وهذا يحتاج تكنولوجيا.
في ظل حالة الركود العالمي وتراجع النمو وارتفاع التضخم هل تضرر العمل المناخي وأصبحت قضية المناخ في مرتبة متأخرة في أولويات الدول؟
صياغة الأولويات هي لب العمل المناخي حاليا، وما قامت به قمة شرم الشيخ كان التركيز على ربط الخطط التنموية بالتمويل المناخي، وبما يخدم الاستثمار وزيادة الإنتاج أو الطاقات المتجددة، فقد تكون هناك تكاليف مادية كبيرة في الانتقال لطاقات منخفضة الكربون، ولكن على المدى الطويل يكون هذا استثمارا وتوفيرا وتقليل نفقات، وهنا لابد من مشاركة البنوك في تمويل هذا التحول وكذا لابد أن يكون هناك حوافز من الدول للانتقال لأن الفائدة هنا ستعم على المجتمع والدولة وليس الفرد فقط.
دور البنك الدولي
مع تولي رئيس جديد لمجموعة البنك الدولي أجاي بانجا فكيف ترى دور هذه المؤسسة التي كان عليها ملاحظات كثيرة واتهام بالإخفاق السنوات الماضية في دعم تمويل المناخ او مساندة الدول المتضررة من اثار تغير المناخ؟
لا أنكر أن البنك الدولي كان له دورا كبيرا ومتميزا في مجالات المناخ، وكان سباقا عن غيره، ولديه أفضل المتخصصين في هذا المجال، وعملت معهم لمدة 10 سنوات- ومازالت على علاقة مع الكثير منهم- لكن القاعدة ما يرتبط بالتمويل يمكن حلها وفق المقترح الذي قدمته 50/50% تمويل للتخفيف والتكيف، ففي المتوسط بنوك التنمية تقدم 75% من التمويل لإجراءات التخفيف، في حين أن المنطق يقول إنه بدلا من مزاحمة القطاع الخاص في هذا، وخاصة أن مشروعات التخفيف تكون مربحة أو مدرة لعائد اقتصادي للقطاع الخاص، وهو الأقدر على أن يقوم بها ويستفيد منها، ولا يوجد فيها مخاطر أو خسائر كثيرة، كالتحول للطاقة المتجددة، وغيرها من المشروعات، لكن الإشكالية في مشروعات التكيف، فالعائد دائما يكون اقتصادي عام أو اجتماعي عام للدولة او المجتمع بوجه عام، وليس مادي يمكن حسابه على المستوى الفردي أو المؤسسي، وأخر الأرقام كشفت أن 3 % فقط من تمويل القطاع خاص في أفريقيا للتكيف، وهنا لابد للمؤسسات الرائدة إذا كان لديها قدرة على التمويل أن توجهه إلى التكيف وليس التخفيف، كما أن الدول ليس عليها أن تقترض تجاريا أو بتكلفة عالية حتى تستفيد من المؤسسات المالية، واقترح أن يتم حساب 1% تكلفة على القروض للدول النامية من المؤسسات المالية الدولية نظير الجانب الفني والتكاليف الإدارية، بفترة سماح لا تقل عن 10 سنوات، وفترة سداد لا تقل عن 20 عاما، بالتالي يكون فترة التمويل 30 عاما، ويكفي أن تتحمل الدول وتضمن السداد ويكفي أنها تقترض لحل أزمة ليس لها دخل بها “الانبعاثات”، وأتمنى أن يكون مبلغ الـ 100 مليار دولار تعهدات الدول الغنية بمنح وليس قروضا، فحماية الشواطئ في الإسكندرية أو السواحل، فما عائدها الاقتصادي للدولة ولا يرحب أو يحبز أن يدخل فيه القطاع الخاص لأنه لن يدر عليه عائد مباشر، فهذه المشروعات يجب أن تدخل في تمويلها الجهات المالية الدولية .
دول فخ الوسط
لكن هل قدمت هذا المقترح رسميا للجهات الدولية أو حدثت فيه المسئولين لهذه المؤسسات؟
تحدثت عنه في جميع المناسبات والفعاليات، وآخرها اجتماعات البنك الأفريقي في شرم الشيخ، والبنوك ترحب بمثل هذا المقترح، لكن تحتاج من يتحمل التكلفة من بنوك التنمية لتخفيض التكاليف، والفائدة من 3-5 % إلى 1%، ومن هنا نقول إن الفارق يكون من الـ 100 مليار دولا ر -وما أقوله ليس شيئا غير مسبوق، لأن هناك دولا تحصل من جهات تمويلات منخفضة التكلفة من 5- 10 سنوات، وحتى الصندوق الجديد- في الصندوق الدولي يعطي فترة سماح لمتوسطي الدخل لكن تكلفة التمويل أعلى بعض الشيء عن 1 % وفقط تقتصر على الدول الأقل دخل ونحن لسنا منهم، والدول متوسطة الدخل التي أطلق عليها” دول فخ الوسط” لأنها في منطقة لا تعرف أن تأخذ منحا، فألمانيا قبل أزمة أوكرانيا كانت تقترض بفائدة أقل من 1% ومصر تأخذ قروضا بـ6-7%، وحتى نفس الجهات أحيانا، وهذا مثال واضح لعدم العدالة وعدم المساواة، وهذا يجب أن يؤخذ في الاعتبار، فتكلفة التمويل للدول الأوروبية 1/5 مقارنة بالدول النامية مثل مصر.
هل المؤسسات الدولية جادة في حل أزمة تمويل المناخ؟
رؤساء وقيادات هذه المؤسسات مع دعم قضية المناخ، لكن الأزمة في قدرة هذه المؤسسات الدولية على تقديم التمويل، ففجوة التمويل التي تصل إلى تريليون دولار مقابل كل ما تقدمه هذه المؤسسات التمويلية لا يتعدى 100-150 مليار دولار، وهنا نتحدث عن أهمية مشاركة القطاع الخاص.
فهذه المؤسسات التمويلية إذا كانت مهمة في السابق فاليوم أهم، كما أن شروط هذه المؤسسات للتعامل مع الدول النامية في مشروعات الإصلاح الهيكلي والمالي لا يجب أن تضع هذه الدول بين اختيارين ( الكم او الكيف) فلا يجب أن يتم تخيير الدول بين الكفاءة أو الكم في الجهاز المصرفي، فلا يجب أن تشترط في الحديث عن الإصلاح المالي التخيير بين أن الكفاءة والحجم، فيجب أن تكون هنا المساعدات في شكل استثمارات أو مساهمات ومشاركات وليس قروضا حتى لا تثقل كاهل الدول النامية، فالمنظومة كلها؛ نوع التمويل للعمل التنموي عموما والمناخي على وجه خاص يجب أن يكون استثمارات ومشاركة في “التخفيف”، ومنح في “التكيف”، ولا ننسى أن التعويضات مثلما حدث في فيضانات باكستان، حتى مع إثبات الضرر لا يعوض المتضررين “عمر التعويض ما يعوض ما كان”، والتعويض دائما يكون جزئيا و”أرواح الناس لا تعوض”.