في الحلقة التاسعة عشرة من المسلسل المصري “القاهرة كابول”، الذي عرض في رمضان 2021، طلب القيادي الإرهابي رمزي، الذي جسد شخصيته الفنان طارق لطفي، من مساعده في التنظيم أن يختار له طاقم حراسة، مشدداً على أن يتشكل من مصريين.

وبعيداً من السياق الدرامي للمسلسل الذي كان يسلط الضوء على التهديدات الإرهابية التي تواجهها مصر والمنطقة العربية، وبالرجوع إلى نشأة تنظيم “القاعدة” وما سبقه من جماعات متطرفة يمكن ملاحظة العناصر المصرية في الترتيب القيادي لتلك التنظيمات الإرهابية.

فعمر عبد الرحمن، المتهم بالتآمر في قضية “تفجيرات نيويورك” عام 1993، والذي قضي عقوبة السجن المؤبد في الولايات المتحدة، كان الزعيم الروحي لـ”الجماعة الإسلامية” في مصر، لكن المثال الأدق هو تنظيم “القاعدة”، إذ كان أيمن الظواهري الرجل الثاني في التنظيم الإرهابي منذ نشأته، ثم أصبح الرجل الأول بعد مقتل زعيم التنظيم أسامة بن لادن في الثاني من مايو (أيار) 2011، والآن يستعد المصري سيف العدل لتسلم قيادة التنظيم بعد مقتل الظواهري في غارة أميركية الشهر الماضي على غرار سلفه.

ليس ذلك فحسب، ففي حين كان هناك 15 عنصراً إرهابياً سعودياً ضمن التسعة عشرة الذين نفذوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، فإن العقل المدبر الذي قاد الفرق الأربعة المنفذة للهجمات هو المصري محمد عطا.

هذه الأسماء وغيرها مثل عبد الله أحمد عبد الله، زعيم عمليات “القاعدة” في شرق أفريقيا، الذي قتل عام 2020، ومصطفى أبو اليزيد الذي عمل كحلقة وصل بين “القاعدة” و”طالبان” قبل قتله في غارة أميركية العام نفسه، وأبو أيوب المصري زعيم “القاعدة” في العراق بين عامي 2006 و2010 قبل أن يقتل عام 2020 أيضاً، ومحمد حسن خليل الحكيم، المسؤول عن قسم الدعاية في التنظيم، جميعها اتخذت من الجهاد العنيف لسيد قطب، الأب الروحي لـ”جماعة الإخوان المسلمين” منهجاً عاماً، مما يطرح سؤالاً عما إذا كانت مصر هي منشأ الفكر الإسلامي المتطرف.

أصل القطبية

يقول ستيفن كوك، الزميل لدى المجلس الأميركي للعلاقات الخارجية، في مقال سابق، إن كل هؤلاء الرجال ينحدرون من جيل الإسلاميين المصريين الذين انفصلوا عن قيادة “الإخوان المسلمين” في الستينيات واعتنقوا فكر سيد قطب. ويشير إلى أن قطب في أعماله الرئيسة مثل “في ظلال القرآن” و”معالم في الطريق”، ينزع صفة الإسلام عن جميع المجتمعات الإسلامية، ويعتبر أن المسلمين في جاهلية لأنهم يعيشون في بيئة تطغى عليها القوانين الوضعية على قوانين الله. فبالنسبة إليه ولأتباعه وأتباع الجماعات التي ذهبت وراءه، كان هذا الوضع بحاجة إلى تصحيح لإقامة مجتمع إسلامي، ومن أدوات تحقيق هذا الهدف الوعظ والإقناع والعنف. ففي العالم الأخلاقي لقطب يتحمل المسلمون مسؤولية حمل السلاح لتأسيس سيادة الله على الأرض.

نظريات سيد قطب التي صاغها في كتاب “في ظلال القرآن” واستخلصها في كتاب “معالم في الطريق” كانت البداية الحقيقية لنشر أطروحات التكفير وجاهلية المجتمع، وصناعة محاكم التفتيش الافتراضية للمصادرة على إسلام وإيمان الآخرين، والترويج لمفاهيم “حراس العقيدة” و”دعاة الشريعة” في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، والتي مهدت الطريق لتيارات السلفية الجهادية في ما بعد، بحسب عمرو فاروق، الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، الذي يشير إلى أن نشأة تنظيم “القاعدة” تمت برعاية جماعة “الإخوان”، وتحديداً مصطفى مشهور مؤسس “التنظيم الدولي” والمرشد الخامس للجماعة، وفق ترتيبات تمت بين كل من أسامة بن لادن وعبد الله عياد والشيخ مناع القطان بهدف تشكيل جناح مسلح للحركة الإسلامية، بخاصة أن عدداً من قيادات جماعة الإخوان أشرفوا على معسكرات القتال في أفغانستان، أمثال كمال السنانيري وأحمد الملط، نائب مرشد “الإخوان” حينها، وعبد المنعم أبو الفتوح، وهناك كثير من الوثائق والصور التي سجلت دورهم خلال تلك المرحلة.

 

يتفق الباحثون المصريون على أن نشأة الفكر التكفيري في مصر على يد قطب لعبت دوراً رئيساً في سيطرة العناصر المصرية على المناصب القيادية داخل تلك التنظيمات الإرهابية التي تشكلت لاحقاً.

يقول فاروق إن تيارات الإسلام السياسي متمثلة في “جماعة الإخوان” كانت الرحم التي ولدت منها مختلف الجماعات الأصولية المتطرفة، متبنية نظريات سيد قطب وأبو الأعلى المودودي، وفقاً لاستراتيجية “التغيير من أعلى”، من خلال الصدام المسلح مع رأس الدولة، والانقلاب على النظام السياسي القائم، ومن ثم الاستحواذ على السلطة.

وأضاف “المتأمل في البدايات الأولى لمشروع حسن البنا وخطوات بناء المكون التنظيمي الداخلي لجماعته يدرك تماماً أنه مشروع دولي وليس محلياً، لا سيما في ظل تركيزه على استقطاب وتجنيد ممثلي الوفود العربية القادمة للدراسة بالجامع الأزهر، فضلاً عن تأسيسه لجنة خاصة معنية بتشكيل فروع الجماعة خارج مصر، بجانب توثيق العلاقات والروابط بمختلف الدوائر الدينية العربية، بما يتيح للجماعة الوجود على الساحة الإقليمية”.

نشأة “القاعدة”

في ما يتعلق بتنظيم القاعدة الذي توالى عليه عدد من الإرهابيين المصريين في مناصب قيادية مختلفة، ربما يمكن العودة بالزمن إلى نشأة التنظيم نفسه عام 1987 على يد ثلاثة أشخاص بينهم اثنان مصريان هما أبو عبيدة وأبو حفصة، بحسب أحمد سلطان، الباحث في شؤون التنظيمات الإرهابية، الذي يشير إلى أنه عندما تشكلت الجبهة الإسلامية العالمية لمحاربة اليهود والصليبيين عام 1998 تكونت من جهاديين مصريين من جماعة الجهاد بقيادة الظواهري، ومجموعات من داخل الجماعة الإسلامية مثل مجموعة محمد خليل الحكايمة ممن رفضوا مبادرة نبذ العنف التي تبنتها الجماعة عام 1997، جنباً إلى جنب مع مجموعة أسامة بن لادن ومجموعات من جنسيات عربية أخرى، مشيراً إلى أن “التكفيريين المصريين كانوا الخزان البشري الرئيس لتنظيم (القاعدة)”.

وفي حين عاد غالبية الإرهابيين من الجنسيات الأخرى مثل اليمنيين والسعوديين إلى بلدانهم وحاولوا شن هجمات إرهابية، فإن غالبية المصريين بقوا في منطقة ما يسمى خراسان وهي المناطق الواقعة بين أفغانستان والحدود الباكستانية، وأصبح هؤلاء فاعلين بقوة داخل التنظيم، وطبقاً للعرف التنظيمي داخل “القاعدة” فإنه تم تصعيد القيادات الموثوق بها، بمعنى تصعيد المجموعة الخاصة بتنظيم “الجهاد” في المناصب القيادية العليا ومجموعة “الجماعة الإسلامية” المصرية في مستوى القيادات الأقل. وجرى تصعيد عدد من عناصر الجهاد بعد عام 2001 عندما قتل عدد من قيادات “القاعدة” في إطار ما يعرف بالحرب الأميركية ضد الإرهاب.

وفقاً لفاروق، فإن وجود الظواهري أسهم بقوة في سيطرة المصريين على تنظيم “القاعدة”، لا سيما في ظل التوافقات التي تمت بين كل من أسامة بن لادن وتنظيم “الجهاد” ثم “الجماعة الإسلامية” في ما بعد، واحتضانه قياداتهم في ظل الملاحقات الأمنية، بخاصة في المرحلة التي تمركزت فيها قيادات التنظيم القاعدي في العمق السوداني، ونفذت عدداً من العمليات الإرهابية المسلحة في الداخل المصري.

يعود فاروق إلى بناء منظومة “الجماعة الإرهابية” في الشارع المصري، ويشير إلى أن المرحلة الأخطر في طور التنفيذ المنهجي والفعلي لبناء تلك المنظومة تمثلت خلال فترة حكم الرئيس الراحل أنور السادات، من خلال الترويج لتيار “الصحوة الإسلامية”، بجانب الالتحام بين التيار الدعوي السلفي المتمثل في “الجماعة الإسلامية” والتيار الجهادي المتمثل في “تنظيم الجهاد”.

ويضيف أن الحرب الأفغانية في بداية الثمانينيات من القرن الماضي أسهمت كذلك في الوجود المصري، واتساع دائرة انتشار فكر التكفير المسلح تحت مظلة الأنظمة العربية، وفتح الباب أمام الجماهير الشعبية العريضة للاشتراك في القتال ضد السوفيات، والتغاضي عن جمع الأموال وتحويلها للخارج تحت مسمى “الجهاد”، وتمكينهم من التدريب المسلح تحت مرأى ومسمع دول العالم.

وفرت المجموعة المصرية داخل تنظيم “القاعدة” الدراية التنظيمية والخبرة المالية والعسكرية لشن هجمات عنيفة ضد القادة العرب، الذين تم تكفيرهم، وحلفائهم بخاصة الولايات المتحدة. يقول فاروق إن القيادات المصرية لعبت دوراً مهماً نظراً إلى خبراتها في تنفيذ كثير من العمليات المسلحة ضد رموز الدولة المصرية، فضلاً عن الخلفية العسكرية لبعضهم، نتيجة ارتباطهم المباشر بالمؤسسات العسكرية والأمنية وتمردهم عليها، لا سيما في المرحلة التي أعقبت اغتيال السادات مثل عصام القمري ومحمد صلاح زيدان وغيرهما.

السجون المصرية

هناك طرح سائد في الفكر الأكاديمي الغربي يربط بين التطرف وقمع الدولة، ويعتبر أن السجون المصرية طالما كانت مكاناً خصباً لنشر الأفكار المتطرفة بين السجناء وبخاصة المعارضين السياسيين.

يقول كوك إنه بالنظر إلى مزيج من عنف الدولة وفي الوقت نفسه صلابة الأيديولوجيات المتطرفة، فإن هناك احتمالاً بظهور نسخ جديدة من الأفكار المتطرفة ونشوء جماعات جديدة في مصر.

وفي حين شهدت السجون المصرية مبادرة ناجحة لنبذ العنف كجزء من برامج نزع التطرف وإعادة الإدماج، يقر سلطان بأن هناك مشكلة تتمثل في وجود أعداد كبيرة من الإسلاميين داخل السجون المصرية من تيارات إرهابية عدة جهادية وإخوانية، وعلى الرغم من الفصل بين السجناء فإن تواصلاً يجري بشكل أو بآخر، وتُنقل الأفكار المتطرفة لأفراد آخرين.

ويشير الباحث المصري إلى تجربة جماعة “التوحيد والجهاد”، فبعد أن تم القبض على عشرات من أبناء سيناء بعد تفجيرات شرم الشيخ عام 2005 في إطار جهود الدولة لمكافحة الإرهاب، اختلط هؤلاء الشباب بالجهاديين داخل السجون، وخرجوا بأفكار تكفيرية وأسسوا جماعتي “أنصار بيت المقدس” و”ولاية سيناء”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *