بجسد هزيل أنهكه التعذيب وعينين غائرتين أثقلهما أرق اضطراري انبعث الصحفي اليمني محمد عبدالله القادري من زنازين الموت التابعة للحوثي.

ولسنوات، ظل القادري صوتا جهوريا يصدح من مناطق مليشيات الحوثي دون خوف قبل أن تلاحقه إلى منزله الريفي وتزج به في سجونها الظلامية.

ففي 13 مايو/ أيار 2021، اعتقل ما يسمى جهاز الأمن والمخابرات التابع لمليشيات الحوثي الصحفي القادري (34 عاما) من منزله في محافظة إب (وسط) وغيبته قسريا في سجونها لمدة عام كامل قبل أن تطلق سراحه وهو بجسد هزيل هده التعذيب وبعيون غائرة باكية لم تعرف النوم.

وتعرض القادري لأكثر من 11 نوعا من التعذيب في سجن “الأمن والمخابرات” بمحافظة إب ما عرضه لصدمة نفسية عنيفة ما زالت آثارها تحاصره حتى اليوم وذلك رغم فراره من مناطق الحوثيين إلى محافظة الضالع ومنها إلى عدن.

وفي شهادته  يروي القادري ويلات العذاب ويكشف لأول مرة المسؤولين عن تعذيب المعتقلين في محافظة إب وذلك بالتزامن مع عرقلة الحوثيين التوافق في ملف الأسرى والمعتقلين بعد رفضهم مرحلة تبادل الزيارات.

2000 مقال و11 جولة تعذيب

“كنت أعمل كاتباً صحفيا مناهضاً لمليشيات الحوثي وأنا في مناطق سيطرتها، وأنشر مقالاتي في غالبية المواقع الإلكترونية المناهضة للحوثي وكتبت ما يزيد على 2000 مقال وقد دفعت ثمن ذلك عندما تعرضت للاعتقال”، يقول القادري.

ويضيف: “رفضت الهروب من مناطق الحوثي لأني لم أكن أتبع حزبا سياسيا وفضلت مواصلة النضال وعشت ملاحقاً مختفياً، ولأني كنت أعيش في منطقة وعرة، لم تستطع مليشيات الحوثي القبض علي بسرعة، ولكنها استطاعت في نهاية المطاف الوصول للمنزل ومداهمته بشكل مباغت ما روع النساء والأطفال”.

وعندما ألقت مليشيات الحوثي القبض على القادري. فتح قائد الحملة الحوثية هاتفه وأظهر بعض المقالات المنشورة في بعض المواقع وخاطبه “هذه مقالاتك وقد هربت كثيراً وأخيراً وقعت في أيدينا”، قبل أن يقيد يديه ورأسه وباشره بالضرب وتم اقتياده إلى سجن الأمن والمخابرات بمدينة إب.

وبعد يوم من اعتقاله، دفعت مليشيات الحوثي بدوريات مسلحة لملاحقة أشقاء “محمد القادري” واستطاعت الوصول إبى شقيقه “عزام “وأودعته سجن إدارة أمن المديرية ولم يطلقوا سراحه إلا بعد أن قامت الأسرة بتسليم هاتف “محمد”.

وظل الصحفي القادري في سجن الأمن والمخابرات في إب لمدة أكثر من عام لكن بعد أن “تدهورت صحتي وظنوا أن موعد موتي قد اقترب اطلقوا سراحي بضمانة والدي على أن يقوم بتسليم أراضينا ومنازلنا للمليشيات في حالة أن عدت للكتابة ضدها ووضعوني في منزلي تحت الإقامة الجبرية والرقابة حتى تمكنت من الهروب ليلاً والوصول للمناطق المحررة”، كما قال.

فظائع

تعرض القادري خلال فترة اعتقاله للسجن في زنزانة انفراية مساحتها مترين في متر في سجن تحت الأرض، وعانى من شتى أنواع التعذيب منها التعذيب الجسدي، عبر الصعق بالكهرباء وذات يوم قاموا بصب الماء البارد على جسمي ثم قاموا بتعذيبي بالكهرباء وكان هذا أشد أنواع التعذيب”.

كما عملوا على “وضع الجمر فوق قدمي وفي بطني ولا زالت آثارها موجودة في جسمي فضلا عن وضعي بالضغاطة التي كانت داخل الزنزانة لمدة ساعات والضرب بالأسلاك واللكم بالأيدي والركل بالأقدام وكذا التعليق بالونش الصغير الذي أحضروه للسجن وكانوا يقومون بتعليقنا في الهواء لأكثر من ساعة بالإضافة لنتف شعر الراس”.

والنوع الأخر من التعذيب كان”بالبرد ،التغذية، حيث كانوا يعطونا 3 قطع من الخبز الصغير فقط صباحاً وظهراً ومساءً، كذلك “التعذيب بالصرف الصحي” حيث لا حمامات بالإضافة لـ”التعذيب بالضوء”، حيث كانت الزنازن مظلمة دوماً تحت الأرض ما عرضنا لصدمة النظر عندما نرى الضوء مما تسبب في إضعاف بصرنا.

كذلك “التعذيب بالنوم”، يتابع، حيث “لم نكن ننام ليلاً بسبب التعذيب وأصوات التعذيب، ونهارا يعمدون لتشغيل مكبرات صوت، كما كانوا يقومون بربط أيدينا للخلف ويضعون صندوقا بين أيدينا وأظهرنا ويجعلوننا نقوم ونجلس لمدة 100 أو 200 مرة”.

كما ”كانوا يقومون بربط أيدينا إلى آلة حديدية للأعلى ويجعلوننا نظل واقفين لمدة ساعة أو ساعتين بالإضافة إلى أنهم كانوا يجعلوننا نزحف على صدورنا عدة أشواط”..

بالأسماء

ويؤكد الصحفي القادري أن القيادي الحوثي المدعو “أبو هاشم” الذي يعمل مديراً لجهاز الأمن والمخابرات في إب وهو من صعدة، هو المسؤول الأول عن تعذيب المعتقلين بالإضافة لشقيقه “الحسن” الذي يعمل قائدا لعمليات الأمن والمخابرات في إب.

كما تحدث عن ”المدعو صدام آل قاسم الذي يعمل قائد المداهمات في مديريات حبيش والمخادر وريف إب”، لافتا إلى أن الأخير ومعه المدعو الحسن قائد عمليات الأمن والمخابرات في إب ”هما من كانا على رأس قيادة الحملة التي اقتحمت منزلي واختطفتني وضربتني”.

وتعرض القادري إلى ما يشبه الموت البطيء، حيث عمدت مليشيات الحوثي في بداية اختطافه إلى إخراجه وهو معصوب العينين إلى باحة السجن وزعموا أنهم سينفذون إعدامه ثم ووضعوا الحبل على عنقه وقال أحدهم انتظروا حتى يأتي المدير لنعدمه شنقاً ، وعندما جاء المدير قال دعوه يتأخر للأسبوع القادم واستمر ذلك أسبوعيا ولمدة 6 أشهر.

وقال: “بعدها كنت ذات يوم نائما في الزنزانة وفجأة أطلق السجان 3 رصاصات في السقف فقمت مذعوراً وأصبت بصدمة كبيرة جراء ذلك، ثم قال لي السجان سنعدمك رمياً بالرصاص، ثم بعد ذلك أخرجوني للتحقيق وقالوا لقد تراجعنا عن إعدامك وقررنا أن نقوم بقطع لسانك وقطع أصابع يدك كعقاب ردا على ما كتبته ضد مسيرتهم”.

وبخصوص تأثير الاعتقال علي نفسيته وحياته واستقرار أسرته، يؤكد أنه أثر على وضعه النفسي والصحي بشكل كبير، وقال: “أهلي وشقيقاتي كانوا في قلق وبكاء وحزن أثناء سجني، والآن أنا بعيد عنهم لأني في المناطق المحررة ولم أستطع استقدام زوجتي وأبنائي لأعيش معهم بسبب سوء الظروف”.

وأضاف “أنا الآن أعيش وضعا صحيا ونفسيا سيئا ولم أجد الرعاية والاهتمام من الدولة ومراعاة وضعي وتوفير العلاج والسكن والرعاية المادية وإعادة تأهيلي وحل مشاكلي وإظهار التقدير لنضالي وانصافي وتشجيعي ومكافأتي”.

وفي ختام حديثه، طالب القادري الحكومة اليمنية بالإنصاف أسوة بزملائه الصحفيين الناجين من سجون مليشيات الحوثي وتأهيله لإعادة دمجه بالمجتمع وعدم الخضوع لسياسات الإخوان الوجه الآخر لمليشيات الحوثي، والتي ساهمت في حرمانه من أدنى حقوقه الإنسانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *