بعد أيام من وصول وفديها إلى الجزائر لمناقشة ملف المصالحة الفلسطينية المعقد، تعتقد حركة “فتح” أنه لا يوجد أساس في الوقت الحالي يشجع على إمكانية التوصل إلى رؤية تنهي الانقسام الداخلي مع “حماس” وبين المكونات الوطنية، وأنه من الصعب تجاوز مجمل الترسبات السياسية والاجتماعية التي تكرست على مدار 17 سنة ماضية.
ويرى مراقبون سياسيون أن حركة “فتح” اختصرت بشكل صريح وواضح الطريق على “حماس” والجهود العربية التي تبذل حالياً من أجل توحيد صف الفلسطينيين، وبهذه الخطوة قد تمنح “حماس” مبرراً لترويج أن قيادات السلطة الفلسطينية هي التي تعرقل مساعي المصالحة.
الفرصة الأخيرة
في يناير (كانون الثاني) الماضي اعتمد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون مبادرة لتوحيد الفلسطينيين وإنهاء ملف الانقسام بين حركتي “فتح” و”حماس”، بتكليف من جامعة الدول العربية على أن يجري التوصل إلى حل نهائي قبل انعقاد القمة العربية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل التي ستكون مخصصة لدراسة الأوضاع الفلسطينية.
وتعد مبادرة الجزائر المدعومة عربياً الفرصة الأخيرة التي تمنحها جامعة الدول العربية لحركتي “حماس” و”فتح” لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الفلسطينية، ولتنفيذ ذلك اجتمعت السلطات الجزائرية مع قيادات جميع الفصائل في مارس (آذار) الماضي لجمع وثائق ومقترحات حول آليات تطبيق المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام الداخلي.
وحالياً تجري الجزائر لقاءات مع الحركتين من أجل التوصل إلى آلية واضحة لخطوات تطبق على أرض الواقع تنهي الانقسام وتوحد غزة والضفة الغربية تحت مظلة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير.
فتح مستعدة
فور توجه وفد فتح إلى الجزائر بدت الحركة وكأنها مستعدة إلى التوصل لخطوات عملية تنهي الانقسام الفلسطيني، إذ قال نائب أمين سر اللجنة المركزية للحركة صبري صيدم إنهم يتعاطون بإيجابية مع الدور العربي في شأن المصالحة، وذاهبون للجزائر بقلب مفتوح للحوار مع “حماس” ومهتمون جداً بهذا الحوار، لأن المشروع الوطني في خطر.
وأضاف “على حماس الوقوف عند مسؤولياتها والتعاطي مع رؤية منظمة التحرير، والعمل بشكل جدي على إنهاء الانقسام لنقول للدول العربية وللعالم أننا شعب واحد موحد، ونستحق دولة بشكل رسمي”.
وأوضح صيدم أن على “حماس” الموافقة على تشكيل حكومة وحدة وطنية تقوم على إزالة آثار الانقسام وتوحيد مؤسسات السلطة الوطنية وتوحيد الجغرافيا الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
الوقت غير مناسب
لكن على رغم هذا التوجه فإنه فور بدء اللقاءات الثنائية بين “فتح” و”حماس” برعاية الجزائر تغير موقف الأولى واعتبرت أن المصالحة الفلسطينية ما زالت بعيدة كثيراً وثمة عوائق أمام الجهود العربية التي تبذل في هذا الملف.
وقال أمين سر اللجنة المركزية لحركة “فتح” جبريل الرجوب “هناك مشكلة حقيقية في النظام السياسي لكل من الحركتين، وكذلك يوجد مشكلة في فهم معنى الشراكة الوطنية عند الحزبين، لذلك من الصعب التوصل لرؤية عملية تنهي الانقسام بين الفصيلين، وتوحد الجغرافيا”.
وأضاف “لا يوجد أساس حتى اللحظة يشجع على إمكانية نجاح حوارات الجزائر وإتمام المصالحة عند حركتي (فتح) و(حماس) على حد سواء، والتواصل لهذه النقطة صعب جداً بين الطرفين على رغم جميع الضغوط العربية”.
وأوضح الرجوب أن أعضاء الوفود المشاركة في “حماس” و”فتح” لا تمتلك تفويضاً كاملاً لإنجاز المصالحة، ويبدو أن الطرفين لا يتباحثان الملفات العالقة على قلب رجل واحد، ولا يوجد هناك فهم استراتيجي للشراكة أو قدرة على الالتزام والانضباط، لافتاً إلى أنه في مرات سابقة كان يتم التوقيع ورقة المصالحة، ومن ثم يحدث التخريب.
وبحسب أمين سر حركة “فتح”، فإن قرار المصالحة لم يعد بيد الفصائل الفلسطينية، وباتت جهات إقليمية تعمل على الضغط لوقف المصالحة. ويتساءل الرجوب “هل هناك قدرة عند الفصيلين في تجاوز مجمل الترسبات السياسية والاجتماعية التي تكرست على مدار سنوات الانقسام وحملت في طياتها صداماً ودماً”؟
وأشار الرجوب إلى أن الخطوة الصحيحة للمصالحة تتمثل في الاتفاق الفلسطيني على مجموعة من القضايا التي من شأنها التأسيس لفهم واضح للشراكة الوطنية، وكذلك تحديد المشكلة بين “حماس” وفتح” التي تبدو اليوم لها علاقة بالنظام السياسي.
“حماس” تأمل من “فتح” الالتزام
من جهة حركة “حماس”، فإن لديها رأياً مؤيداً لإنهاء الانقسام. وقال القيادي فيها إسماعيل رضوان إنهم معنيون بشدة لإنجاح حوارات الجزائر وحريصون على تحقيق الوحدة الوطنية، وقدموا رؤية كاملة حول إعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني بما في ذلك منظمة التحرير.
وأضاف رضوان “تعمل (حماس) مع جميع الدول من أجل دعم القضية الفلسطينية، لذلك سنوافق على الرؤية الجزائرية بعقل وقلب مفتوحين من أجل مصلحة الوطن، ونأمل أن تنجح هذه الجهود، ونأمل كذلك من حركة فتح أن تلتزم باتفاقات المصالحة وأن تدرك المخاطر التي تحيط بقضيتنا”.
نقاط الخلاف
في الواقع لن يكون في الجزائر اتفاق جديد للمصالحة، بل تعمل السلطات هناك على وضع خطة تطبيق اتفاقات وتفاهمات لما توصل إليه المصريون مع “فتح” و”حماس”.
وقال سفير فلسطين لدى الجزائر فايز أبو عيطة إن الرئيس تبون طلب من الفصيلين وضع رؤية واضحة عملية لتطبيق المصالحة وتسلمها ويعمل على إيجاد حل لتنفيذها على أرض الواقع.
وفقاً لورقة “حماس” التي سلمتها الجزائر فهي تشمل إجراء تعديلات جوهرية على النظام السياسي الفلسطيني، بحيث يقوم على مبدأ المشاركة، واعتماد برنامج سياسي موحد لكل الفلسطينيين يقر جميع أنواع المقاومة، وبناء المؤسسات الفلسطينية على أسس وطنية بعيداً من الحزبية، وجدول زمني لإنهاء الانقسام، وآخر للانتخابات.
أما ورقة “فتح” فتلخص في تشكيل حكومة توافق وطني، تقبل ببرنامج منظمة التحرير السياسي، وتلاقي قبولاً دولياً، وأن تشكل الحكومة قبل الانتخابات، وأن تكون هناك ضمانة لأن تشمل الانتخابات حال عقدها مدينة القدس، إضافة إلى موافقة “حماس” على شروط الرباعية الدولية بما فيها الاعتراف المتبادل في إسرائيل.
هذا المقترح سبق وأن اعترضت عليه حركة “حماس” التي ترفض القبول ببرنامج المنظمة الذي يعترف بإسرائيل، لكن على رغم ذلك يعتقد الدبلوماسي أبو عيطة أن الجزائر قادرة على تحقيق نقطة وسط بين الفصيلين والخروج بورقة مصالحة شاملة إلى القمة العربية المقبلة التي بدورها تعلن عن مصالحة فلسطينية تنهي حقبة الانقسام، متوقعاً أن تكون مخرجات القمة العربية استثنائية للحالة الفلسطينية.
رأي الجزائر وخطتها
نائب رئيس البرلمان الجزائري يوسف عجيسة قال إنه على رغم حديث “فتح” عن عدم وجود أساس للمصالحة في الوقت الحالي، فإن بلاده لها من العلاقات ما يمكنها من تحقيق إنجاز في هذا الملف، مؤكداً أنهم يعملون على وضع خطة إنهاء الانقسام مع الجميع قبل التئام الموعد العربي.
وبحسب عجيسة، فإن هناك جهوداً دؤوبة وعملاً دبلوماسياً كبيراً يهدف إلى استغلال الفلسطينيين الفرصة الأخيرة قبل القمة العربية.
وأشار إلى أن خطتهم تتمثل في إعادة المؤسسات في غزة لشرعية السلطة الفلسطينية وإتمام الانتخابات، وترتيب البيت الداخلي بما يشمل المجلس الوطني ومنظمة التحرير وإيجاد مجلس تشريعي وطني منتخب.