وكانت اشتباكات قد وقعت بالعاصمة طرابلس الأسبوع الماضي بين ميليشيات متحالفة مع رئيس حكومة الوحدة في ليبيا عبد الحميد الدبيبة ورئيس الحكومة المعينة من قبل مجلس النواب فتحي باشاغا، وقُتل فيها أكثر من 32 شخصاً وأُصيب 150 اخرون.
ويقع مقر حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، التي أدارها منذ العام الماضي والتي تسيطر على الجزء الغربي من البلاد، في طرابلس منذ سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011، بينما يدير باشاغا الجزء الشرقي من البلاد منذ مارس (آذار) بدعم من القائد العسكري القوي خليفة حفتر.
ودخلت ميليشيا باشاغا المتحالفة، بما في ذلك أحد الألوية بقيادة رجل عصابات ثري يُدعى هيثم التاجوري، مدينة طرابلس لمحاولة إطاحة حكومة الدبيبة، لكنها هُزمت تماماً.
تقييم قاتم للوضع في ليبيا
وقدم جيفري ديلورينتيس، تقييماً قاتماً لآفاق ليبيا في اجتماع لمجلس الأمن الدولي مؤخراً، قائلاً إن الليبيين “يفقدون الأمل في إمكانية تطهير بلادهم من الفساد والنفوذ الأجنبي وتوحيد القوات المتنازعة وانسحاب الميليشيات والمرتزقة الأجانب. إنهم محرومون من الخدمات العامة الأساسية بينما الصفقات الضخمة لتوزيع عائدات النفط والغاز، التي تعقدها الميليشيات التي تسيطر عليها الفصائل المختلفة، تسلب الشعب الليبي ثروته”.
وقدمت مناقشة الأمم المتحدة بعض الأفكار الجديدة، بعيداً عن دعوة مجلس الأمن إلى الموافقة بشكل عاجل على مبعوث خاص جديد للأمم المتحدة إلى ليبيا. تفتقر ليبيا إلى مبعوث منذ نوفمبر (تشرين الثاني) بسبب الانقسامات السياسية. وأمكن الاتفاق على الدبلوماسي السنغالي عبد الله باثيلي، رغم اعتراض بعض الليبيين.
كما استمع مجلس الأمن إلى لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة والتي صنفت تركيا على أنها إحدى الدول التي تنتهك بشكل صارخ حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.
ونقلت صحيفة “غارديان” البريطانية عن طارق المجريسي، الخبير في شؤون ليبيا في مركز أبحاث المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، بأن أعمال العنف التي وقعت مؤخراً كانت المرة الأولى التي تُستخدم فيها أسلحة ثقيلة ومدفعية في وسط طرابلس خلال الأزمة الحالية. وأضاف: “النتيجة تجعل دبيبة أقوى في الوقت الحالي، لكنها تؤكد فقط على الحاجة إلى عملية سياسية ما زالت غائبة”.
الانتخابات الوطنية في مهب الريح
وأوضحت “غارديان” أن انتخابات وطنية ترعاها الأمم المتحدة تبدو بعيدة المنال أكثر من أي وقت، وكانت احتمالات إجراء هذه الانتخابات حقيقية قبل عام واعتُبرت السبيل الوحيد لمنح القادة السياسيين والمؤسسات تفويضاً جديداً.
كان من المقرر اجراء الانتخابات الوطنية في 24 ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، لكن الخلافات حول أساسها الدستوري ومن يحق له الترشح أدت إلى تأجيلها إلى أجل غير مسمى، مما خلق فراغاً خطيراً ملأته معركة عسكرية متجددة على السلطة. ويعارض العديد من السياسيين إجراء الانتخابات، لأن الهزيمة تهدد بحرمانهم من الوصول إلى السلطة والمحسوبية والموارد.
قال الدبيبة، الذي عينته هيئة ترعاها الأمم المتحدة في فبراير (شباط) 2021 كرئيس وزراء مؤقت، إنه لن يغادر قبل إجراء الانتخابات. وزعم أن حكومته تعرضت لعدوان مخطط له مطلع الأسبوع من الداخل والخارج.
وكان باشاغا، الذي اعترف به مجلس النواب في طبرق كرئيس للوزراء، قد عزا الفساد وتفشيه إلى الدبيبة كونه مسؤولاً عن استمرار قوة الميليشيات في طرابلس. وقال: “الدبيبة هو من استغل موارد الدولة لدعم الجماعات المسلحة”.
وأعرب حفتر، زعيم الجيش الوطني الليبي الذي نصب نفسه في الشرق، عن استيائه من الانتكاسة التي تعرض لها باشاغا، الحليف الحديث نسبياً. وبدا أنه غير راغب في قبول العكس، ودعا إلى إنقاذ ليبيا، لكنه لم يحدد كيف يمكن تحقيق ذلك.
ونفى باشاغا ضلوعه في أعمال العنف التي وقعت في نهاية الأسبوع، لكن تم صد جماعات الميليشيات المؤيدة له ثلاث مرات في محاولاتها لدخول طرابلس.
المليشيات الليبية… منظمات إجرامية
ووصف كريم مزران، من المجلس الأطلسي، الميليشيات الليبية بأنها “منظمات إجرامية مكرسة بالكامل لخدمة السلطة والمال، والاستيلاء على الموارد بأي ثمن. ومن الخطأ التفكير فيها على أنها منظمات أيديولوجية سياسية، وإنما منظمات مافيا لها مصلحة راسخة في منع تطور دولة فاعلة”.
كما أن للقتال تداعيات جيوسياسية قصيرة المدى. على سبيل المثال، قامت جيورجيا ميلوني، المرشحة اليمينية المتطرفة في الانتخابات الإيطالية، باستغلال العنف الدائر في طرابلس لإعادة إصدار دعوتها لمهمة يقودها الاتحاد الأوروبي لفرض حصار بحري عبر شمال أفريقيا ومنع المهاجرين من الوصول إلى الساحل الإيطالي.
ففي الأشهر الستة الأولى من هذا العام، وصل 27633 لاجئاً ومهاجراً إلى إيطاليا عن طريق البحر، مقارنة بـ 20532 في نفس الفترة من عام 2021، وفقاً للأرقام الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وأشارت “غارديان” إلى أنه يُنظر إلى تعيين مبعوث خاص جديد قوي ومتوازن على أنه أمر بالغ الأهمية للمرحلة التالية في ليبيا.
وكانت ستيفاني ويليامز، وهي أمريكية وممثلة الأمين العام، منغمسة في السياسة الليبية. وحاولت أن تدفع الفصائل السياسية في طرابلس والشرق نحو إجراء انتخابات، ودعم طبقة سياسية جديدة أصغر سناً.
وهي كادت أن تصل لهدفها من خلال تأمين اتفاق لوقف إطلاق النار على مستوى البلاد في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، واعتماد خارطة الطريق السياسية من منتدى الحوار السياسي الليبي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، والتقدم بين الشرق والغرب بشأن الإطار الدستوري للانتخابات. لكن تم إحراز تقدم أقل فيما يتعلق بالوفاء بالموعد النهائي المخطط له لإخراج القوات الأجنبية أو بمستوى المصالحة المطلوب لإجراء الانتخابات الوطنية.