عاد محمد شيمشك الاقتصادي الدولي المرموق إلى قيادة أهم الحقائب الاقتصادية في الحكومة التركية بعد 4 سنوات فقط من الإطاحة به لصالح صهر الرئيس التركي.
وبدا أن عودة شيمشك، بمثابة ستار يسدل على مغامرة اقتصادية خاضها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ضد النظريات السائدة في الاقتصاد الحديث، خاصة تلك التي توضح العلاقة بين أسعار الفائدة والتضخم.
والمغامرة التي شهدت أحداثا مثيرة تضمنت تغييرات مفاجئة ومتعددة في شخصية محافظ البنك المركزي، ثم الاستعانة برجل الأعمال والصهر بيرات البيرق على رأس المالية، ثم استقالة الأخير في 2020، لم يبدو أنها أفضت إلى النتائج التي كان أردوغان يأملها.
عودة محمد شيمشك كوزير للمالية.. هل ينقذ اقتصاد تركيا؟
حتى الآن، توقف قطار الاقتصاد التركي في محطة مزعجة، عنوانها التضخم الهائل والليرة الضعيفة والثقة المهتزة بين المستثمرين الأجانب، والأهم: غموض المستقبل وتلاشي القدرة على التنبؤ بالقادم.
عودة إلى “المنطق”
في أول تصريح له عقب إعلانه وزيرا للمالية، قال شيمشك إن بلاده “لا خيار لديها إلا العودة إلى أساس منطقي في السياسات الاقتصادية لضمان القدرة على التنبؤ بتبعاتها”.
وفي هذا التصريح المقتضب، تجتمع رسائل كثيفة، أهمها أن أنقرة لن تعاند التضخم مجددا عبر خفض أسعار الفائدة، وأن البنك المركزي قد يستعيد أخيرا استقلاليته المفقودة.
“أرضية مشتركة”
وحتى الآن، لم تتكشف الآلية التي ستتبعها تركيا للرجوع عن مغامرتها الاقتصادية، بيد أن مصادر قالت لصحيفة فايننشال تايمز إن ثمة “أرضية مشتركة” جمعت بين شيمشك وأردوغان، وهو ما يعني أن التراجع قد يحدث ولكن ببطء.
وشيمشك معروف بتأييده للنظريات الاقتصادية التقليدية، وهو أمر يتعارض مع وجهة نظر أردوغان الراسخة بأن أسعار الفائدة المرتفعة تسبب التضخم المتزايد بدلاً من علاجه.
ودفع أردوغان البنك المركزي لخفض سعر الفائدة الرئيسي من 24% في عام 2018 إلى المستوى الحالي البالغ 8.5%.
ومع تجاوز معدل التضخم 40% أصبحت أسعار الفائدة “الحقيقية” في المنطقة السلبية، مما دفع رؤوس الأموال الأجنبية للفرار.
كما اقتربت الحيازات الأجنبية من السندات والأسهم بالعملة المحلية التركية من أدنى مستوياتها القياسية، في حين قفزت تكلفة الحماية من التخلف عن سداد الديون التركية إلى أعلى.
وأدت مقاطعة المستثمرين الأجانب لتركيا، إلى التهام 26 مليار دولار من احتياطيات العملات الأجنبية لدى المرزي التركي الذي حاول دعم الليرة وتمويل عجز كبير في الحساب الجاري.
حقيبة مليئة بالمشاكل
وأمام شيمشك مهمة مليئة بالتحديات، إذ سيعمل على التصدي لأزمة تكاليف المعيشة في تركيا، وفي الوقت نفسه محاولة استعادة ثقة المستثمرين الأجانب عبر تبني سياسات اقتصادية تقليدية يتفقون عليها جميعا.
ويقول شيمشك إن هدفه الرئيسي “زيادة الرفاهة الاجتماعية”، وهو في سبيل ذلك، سيعمل على أن تكون “الشفافية والاتساق والقدرة على التنبؤ والامتثال للأعراف الدولية مبادئنا الأساسية”.
يشار إلى أن شيمشك كان نائبًا لرئيس الوزراء ووزير المالية سابقًا، بين عامي 2009 و2018، وهو أيضا الرئيس السابق لشركة ميريل لينش.