تحولت قضية حادث مأساوي شهدته العاصمة الفرنسية باريس نهاية الأسبوع الماضي، بمقتل فتاة في الـ12 من عمرها، إلى جدل سياسي بين الحكومة والمعارضة، وذلك بعد تأكيد التحقيقات أن المشتبه فيها الرئيسية بارتكاب الجريمة هي شابة أجنبية، تبلغ من العمر 25 عاماً، دخلت فرنسا عام 2016 بتأشيرة طالب، قبل أن يصدر بحقها OQTF (إجبارية مغادرة الأراضي الفرنسية) في نهاية شهر أغسطس/ آب الماضي، مع مهلة 30 يوما للعودة إلى بلادها، وكشفت تقارير إعلامية بأنها جزائرية الجنسية.
فبينما تتواصل التحقيقات في ملابسات هذه الجريمة التي صدمت الرأي العام الفرنسي، كانت القضية موضع جدل ومناوشات سياسية تحت قبة البرلمان هذا الثلاثاء، حيث حملت شخصيات سياسية من اليمين المحافظ واليمين المتطرف، الحكومة مسؤولية عدم طرد المشتبه بها من الأراضي الفرنسية، فيما نددت الحكومة ونواب الأغلبية الحاكمة واليسار بـ‘‘التوظيف السياسي’’.
حمّل النائب البرلماني عن حزب ‘‘الجمهوريون’’ اليميني المحافظ، إريك بوجي، الحكومة المسؤولية عن قتل الفتاة الصغيرة “لولا”، قائلاً إنها فقدت حياتها لأن الحكومة لم تطرد الشابة الأجنبية المشتبه في ارتكابها الجريمة، والتي اعتبر أنه لم يكن لديها ما تفعله على الأراضي الفرنسية. واتهم النائب اليميني الحكومة بـ‘التقاعس عن العمل’’، مشددا على أنه ‘‘يجب أن يكون طرد المجرمين الأجانب تلقائيا’’.
وردّ عليه وزير العدل، إريك ديبون موريتي، وسط صيحات استهجان المعارضة اليمينة، بالتذكير أن المشتبه بها لم تكن معروفة لدى الشرطة، وكانت خاضعة لــOQTF، ولكن ليس على الفور، بل في غضون ثلاثين يوما: ‘‘إنه قانوننا’’، يوضح الوزير، منتقداً ‘‘ممارسة السياسة الصغيرة أو التافهة واستخدام نعش فتاة تبلغ من العمر 12 عاما كنقطة انطلاق’’. ووصف تصريحات النائب البرلماني اليمني إريك بوجي بأنها ‘‘عار’’.
أما مارين لوبان، رئيسية الكتلة البرلمانية لحزب ‘‘التجمع الوطني’’ اليميني المتطرف، وزعيمة الحزب، فقد اعتبرت أن ‘‘المشتبه في ارتكابها لهذا العمل الهمجي، ما كان ينبغي أن تكون موجودة على الأراضي الفرنسية، وذلك منذ أكثر ثلاث سنوات’’. كما قالت لوبان: ‘‘ترتكب الكثير من الجرائم في فرنسا من قبل مهاجرين غير نظاميين أو قانونيين، لم نكن نرغب فيهم أو لم نعرف كيف نعيدهم إلى أوطانهم’’.
وأعربت مارين لوبان عن أملها في أن تفتح هذه القضية ‘‘النقاش حول الهجرة غير النظامية أو الشرعية في فرنسا’’، لأن المشتبه فيها الرئيسية بارتكاب هذه الجريمة البشعة هي جزائرية تخضع للإجبار على مغادرة الأراضي الفرنسية منذ يوم 21 أغسطس/ آب الماضي. وردّت عليها رئيسة الوزراء إليزابيث بورن، مطالبة إياها باحترام آلام عائلة الضحية، وترك الشرطة والعدالة يقومان بعلمها.
بدوره، ندد زعيم حزب ‘‘انهضي يا فرنسا’’، نيكولا دبون-آيجنان، وهو نائب برلماني، بـ‘‘الصمت المدقع للرئيس إيمانويل ماكرون’’ حيال هذه القضية.
وارتفعت أصوات شخصيات سياسية يمينية أخرى ضد ما يعتبرونه «francocide»، أي ‘‘قتل فرنسي لأنه فرنسي’’، وفق التعريف الذي طرحه إريك زمور، زعيم حزب ‘‘الاسترداد’’ اليميني المتطرف، الذي قال إن ‘‘الجزائرية التي هي في وضعية غير قانونية، ما كان يجب أن تتقاطع طريقها مع طريق لولا’’.
وقد أثارت هذه التصريحات ردود فعل منتقدة، من الأغلبية الحاكمة، وكذلك في صفوف اليسار. فقد رد وزير الداخلية جيرار دارمانان، قائلا: ‘‘لحظة واحدة، يجب على المسؤولين السياسيين التفكير في عواقب تصريحاتهم على عائلة الضحية التي ترى صور ابنتها منشورة في كل مكان’’. وفي صفوف اليسار، اعتبرت البرلمانية ساندرين روسو، أنه لا يمكن أن يُعاد القتلة إلى لون أو جنسية، مشددة على أن «francocide» غير موجودة.
وتحدثت تقارير إعلامية عن أن المشتبه فيها تعاني اضطرابات نفسية، وأكد وزير الداخلية أن هذه الأخيرة كانت معروفة بأنها ضحية للعنف الأسري. وقد وُجهت إليها تهمة “القتل والاغتصاب مع أعمال همجية”. وفي المُجمل، وتم ضع ستة أشخاص رهن التوقيف في إطار التحقيق بملابسات هذه الجريمة، وتم إطلاق سراح أربعة منهم من دون ملاحقات حتى الساعة.
وقد عثر على جثة الفتاة داخل حقيبة في ساعة متأخرة من مساء يوم الجمعة الماضي بالقرب من منزلها في الدائرة التاسعة عشرة من العاصمة. وقد ظهرت الشابة، المتهمة الرئيسية بارتكاب الجريمة، على صور كاميرات المراقبة في المبنى حيث كانت تقيم الطفلة الضحية. وتحدث أحد الشهود أن الشابة الأجنبية (جزائرية وفق وسائل إعلام فرنسية) طلبت مساعدته بمقابل بدل مالي لنقل صندوق كبير الحجم، كما أوردت وسائل إعلام فرنسية.