دفعت حروب الاحتلال المتتالية، والانهيار الاقتصادي الذي يعصف بقطاع غزة منذ نحو 15 عاما، بعد سيطرة حركة “حماس” على الحكم في حزيران/يونيو2007، آلاف الغزيين، بينهم أطفال، ومسنون، ونسوة، الى حافة الهاوية، وحد المخاطرة بأرواحهم، في “موجات” من الهجرة، بحثا عن بدايات جديدة. وذلك وفق تقرير نشرته وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية “وفا”.

زيادة معدلات البطالة والفقر، وغياب الأمل لدى الشباب، والندرة الشديدة في الوظائف، وانهيار القطاع الخاص بفعل تدمير المنشآت الاقتصادية والشركات، فضلا عن القيود الإسرائيلية على حركة الواردات والصادرات، وعوامل أخرى كثيرة، شكلت أرضية “خصبة” لهروب شباب غزة، الذين يتوقون لحياة أفضل حتى لو كان ثمنها الموت.

على هذا النحو، تحول قطاع غزة إلى مستنقع من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية. ولعل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في صفوف آلاف الخريجين من الجامعات (معدل البطالة للشباب الخريجين في قطاع غزة 74%) أفرز أمراضاً اجتماعية، مثل: الطلاق، والجريمة، والانتحار، وأهمها: الهجرة من وطن سعى الاحتلال إلى تفريغه من أصحابه.

ووفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2022، بلغ عدد سكان غزة 2.17 مليون نسمة، 65% منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، و80% منهم يعيشون تحت خط الفقر.

كما أن عدد العاطلين عن العمل 15 سنة، فأكثر بلغ 372 ألف شخص في عام 2021، بواقع 230 ألف شخص في قطاع غزة، و142 ألف شخص في الضفة الغربية، بينما بلغ إجمالي الاستخدام الناقص للعمالة 524 ألف شخص، حيث يتضمن هذا العدد 73 ألفا من الباحثين عن عمل المحبطين و26 ألفا في العمالة الناقصة المتصلة بالوقت.

وتعد هجرة الشباب الغزي إلى الخارج أول الكوارث الاجتماعية التي ابتلي بها المجتمع الغزي، حيث دفعت مئات العائلات ثمنا باهظا لهذه الهجرة.

يقول عوني بعلوشة (محامٍ 66 عاما)، وهو والد أربعة شبان قرروا مغادرة القطاع بحثاً عن غدٍ أفضل، بسبب ما آلت إليه الظروف في غزة في ظل حكم حماس “هاجر أولادي الأربعة بسبب الوضع السيئ الذي نعيشه”.

وأضاف “ابني عامر يتواجد حالياً في تركيا، وقد غادر بعد مرات عديدة من الاعتقال التي تعرض لها على يد “أجهزة أمن” حماس، بسبب آرائه المعارضة، وقد وصل في احدى المرات إلى الموت السريري، بعد الضرب الذي تعرض له، كونه كان ينادي بالتغيير، وإعطاء الناس حقوقهم”.

يشار إلى أن أبناء المواطن بعلوشة يحملون درجات علمية رفيعة، فنور حاصلة على ماجستير علوم سياسية في السويد، أما محمد فيحمل شهادة تمريض في المغرب، وأحمد (36 عاماً) يحمل درجة الماجستير في العلوم الاجتماعية ويعمل مديرا لمركز مسبار في قطر، بالإضافة إلى عامر الذي أنهى دراسة المحاماة لكنه غادر غزة قبل أن يحصل على المزاولة. أليست غزة أولى بهذه العقول!

يقول عامر “هاجرت من غزة لأن لا حياة فيها بعد سيطرة “حماس”، لأننا منعنا من التعبير عن آرائنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.

ويقول “أنا ممنوع من العودة إلى غزة، لأنه سيتم اعتقالي سأعتقل في حال عودتي”.

وحول شعور بعلوشة نتيجة مغادرة أبنائه أرض الوطن، يقول: “أعيش قهراً لا يطاق، فأنا رجل كبير في السن وأحتاج أولادي إلى جانبي، فأنا كمن طارت عصافيره خارجاً.. أتواصل معهم يوميا، لكنني في كل مرة أتجرع الألم لحقيقة عدم وجودهم إلى جانبي، هناك جرح في قلبي بسبب هذه الهجرة”.

وأشار الى أنها -أي الهجرة – “ليست حلا، لكن لا خيار أمام الشباب في غزة حين يجدون أنفسهم أمام طريق مسدود”.

ولا ينتهي الألم عند الشباب المهاجرين وذويهم، بل هناك ضحايا كثر، وهن زوجات أفقن من نومهن على وقع أزواج قرروا الهجرة دون علم مسبق، تاركينهن مع أطفال دائمي السؤال عن آبائهم.

حالة مماثلة تعود للمواطنة فاطمة (23 عاما)، وهي أم لثلاثة أطفال، وتقول “قبل عام ونصف حصل خلاف مالي بين زوجي وأحد المعارف بعدما خسر جزءاً من تجارته، وتراكمت عليه الديون، بسبب فقدانه مصدر رزقه، أصبح بلا عمل، وخرج يوماً ذات مساء وأخبرني أنه ذاهب في رحلة مع أصدقائه إلى البحر، وفي تلك الليلة لم يعد، وفي الصباح حاولت الاتصال على هاتفه، فلم يرد، وبقيت على هذا الحال أربعة أيام، وبعد مرور أسبوع اتصل بي، وأخبرني أنه قد غادر القطاع، وخيرني بين الطلاق أو العيش مع أولادي بدونه”.

وتختم قائلا بنبرة حزينة “ذنب أطفالي في رقبة من يسيطرون على غزة، فهم من أوصلوا الناس إلى هذه الحالة من الكبت، وبالتالي الهجرة خارجاً عبر معبر رفح الحدودي جنوبي القطاع، ماذا سأفعل الآن ومن سيتكفل بالإنفاق على أطفالي؟ “.

وبالرغم انه لا توجد احصاءات رسمية فلسطينية حول عدد المهاجرين من قطاع غزة، الا أن تقارير صحفية كشفت النقاب عن أنه منذ عام 2007 حتى 2021 فإن 860.632 ألف شخص غادروا القطاع دون عودة، بينما قدر مختصون آخرون أن عدد المهاجرين من القطاع يقدر بأكثر من ذلك، قضى بعضهم في حوادث غرق لقوارب الهجرة غير الشرعية، بسبب طمع عصابات التهريب، وكذلك عدم قدرة المراكب التي كانوا على متنها على الإبحار لمسافات بعيدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *