خانيونس – في مشهد يعكس تعقيدات المشهد الأمني المتدهور في قطاع غزة، اندلعت مواجهات عنيفة مساء أمس في مدينة خانيونس جنوب القطاع، بين أفراد من عائلة “أبو السعيد” – إحدى العائلات الكبيرة المعروفة في من عائلات “بربخ” – وبين عناصر من وحدة “سهم” التابعة لحركة حماس، وذلك على خلفية مقتل أحد أبناء العائلة برصاص عناصر من الوحدة.
تفاصيل الاشتباكات الدامية في محيط مستشفى ناصر بخانيونس
بحسب روايات شهود العيان، بدأت المواجهات عندما أقدم عناصر من وحدة “سهم” التابعة لحركة حماس على إطلاق النار تجاه مجموعة من أفراد عائلة “بربخ”، ما أسفر عن مقتل أحد أبناء العائلة وإصابة آخرين بجروح متفاوتة. وفيما بررت مصادر من حماس هذا التصرف باتهام العائلة بالتورط في نهب شاحنات المساعدات الإنسانية، نفت العائلة هذه الادعاءات جملة وتفصيلاً، ووصفتها بـ”المزاعم الملفقة” لتبرير عملية القتل.
وفي أعقاب الحادثة، عاد عدد من أفراد عائلة “بربخ” إلى المنطقة في محاولة للرد على مقتل ابنهم، ما أشعل موجة ثانية من الاشتباكات المسلحة العنيفة مع عناصر من وحدة “سهم”، أدت إلى سقوط ضحايا جدد، بينهم مدنيون ومارة لا علاقة لهم بالخلاف.
وأفاد مصدر أمني مطّلع على مجريات الحادث بأن عناصر من وحدة “سهم”، بعد تنفيذ عملية إطلاق النار، فرّوا باتجاه مستشفى ناصر المركزي في خانيونس للاحتماء بداخله، الأمر الذي دفع مسلحين من العائلة إلى ملاحقتهم والهجوم على محيط المستشفى، ما أدى إلى اشتباكات عنيفة وذعر واسع بين المرضى والمرافقين داخل المستشفى.
وقال المصدر: “الوضع انفجر بشكل سريع، بعدما قامت وحدة سهم بقتل شاب من عائلة بربخ، ثم لجأ عناصر الوحدة إلى مستشفى ناصر، فقامت العائلة بمطاردتهم إلى هناك، واندلع إطلاق نار كثيف أدى إلى حالة من الهلع في المنطقة”.
وتسببت هذه الاشتباكات في تدهور خطير للوضع الأمني، وسط تحذيرات من تحول الخلاف إلى صراع مسلح أوسع في حال لم يتم احتواؤه بسرعة
وخرج مئات المواطنين من أبناء العائلة ومناصريها في جنازة غاضبة، مرددين هتافات تندد بما وصفوه بـ”الجرائم المتكررة” لوحدة “سهم”، مطالبين بمحاسبة المتورطين في قتل ابنهم، ووقف سياسة “القبضة الأمنية” التي قالوا إنها تجاوزت كل الحدود.
وخلال الجنازة، شهدت المنطقة المحيطة بمستشفى ناصر إطلاق نار كثيف من قبل مسلحين يعتقد أنهم من أبناء العائلة، باتجاه المباني المحيطة، كرد فعل على الحادث. وردت وحدة “سهم” بإطلاق نار تجاه المحتشدين، ما زاد من حدة التوتر، وسادت حالة من الفوضى وسط السكان والمارة، وسط مخاوف من انفجار الوضع بشكل أوسع.
وقال أحد وجهاء المنطقة لمراسل “الشرق الآن”: “نحن أمام حالة انفلات غير مسبوقة، فبدلاً من ضبط الأمن، أصبحت بعض الجهات تنفذ عمليات تصفية، وتتعامل مع المواطنين وكأنهم أعداء، وهذا لا يمكن السكوت عليه”.
وأشار شهود عيان إلى أن الاشتباكات امتدت لساعات متأخرة من الليل، وتخللها إحراق سيارات وإغلاق طرق فرعية داخل المدينة، في ظل غياب واضح للسلطة الأمنية التي لم تتمكن من السيطرة على الأحداث.
وفي ظل تفاقم الأزمة، دعا عدد من النشطاء وممثلي المجتمع المدني إلى تدخل فوري من قِبل قيادات الفصائل في القطاع، لتطويق الخلاف، وتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في ملابسات مقتل الشاب، وتقديم الجناة للعدالة.
تجدر الإشارة إلى أن وحدة “سهم”، التي تُوصف بأنها الجناح الأمني السري لحركة حماس، تعرضت خلال الأشهر الأخيرة لاتهامات متكررة من نشطاء وحقوقيين بارتكاب تجاوزات بحق مدنيين، بحجة حفظ الأمن وملاحقة المتهمين، الأمر الذي يثير جدلاً متزايداً حول طبيعة عمل هذه الوحدة ودورها في المرحلة الراهنة.
ومع تصاعد الغضب الشعبي، يرى مراقبون أن ما حدث في خانيونس قد يكون بداية لانفجار اجتماعي وأمني أكبر، إذا لم تتم معالجة جذور الأزمة، وخاصة في ظل استمرار الحرب وتدهور الظروف المعيشية وغياب سيادة القانون.
يواجه سكان غزة اليوم تحدياً مزدوجاً: من جهة، الحرب المدمرة التي تشنها إسرائيل والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 50 ألف فلسطيني، ومن جهة أخرى، القمع الداخلي الذي تمارسه قوات الأمن التابعة لحماس ضد المعارضين والمتظاهرين السلميين.
وقالت منظمة العفو الدولية: “إنه لمن المُشين والمخزي أن تفاقم سلطات حماس من معاناة الفلسطينيين في غزة بالتهديد والترهيب لمجرد قولهم ‘نريد أن نعيش’، بينما يتعرضون لجرائم وحشية على يد إسرائيل”.
إن اقتحام عائلة بربخ لمستشفى ناصر والاشتباكات التي تلت ذلك تمثل تصعيداً خطيراً في الصراع الداخلي، وتؤكد على الحاجة الملحة لإيجاد حلول سلمية للتوترات المتنامية قبل أن تنزلق المنطقة إلى دوامة عنف أكثر تدميراً. تتطلب مواجهة هذا التحدي استراتيجية متكاملة تشمل ليس فقط وقف العنف الداخلي، بل أيضاً احترام حقوق الإنسان الأساسية وحرية التعبير للمواطنين الفلسطينيين في غزة.