طفرة حقيقية في قطاع الطاقة تم التوصل إليها بعقول مصرية على أراض أمريكية، من خلال النجاح في تحويل أشعة الشمس إلى هيدروجين أخضر، بواسطة تقنية التحفيز الضوئي.
وبالتفصيل، أنتج فريق بحثي في كلية الهندسة بجامعة دريكسيل، بقيادة باحثين من أصول مصرية، مادة نانوية من أكسيد التيتانيوم يمكنها تسخير ضوء الشمس لإنتاج الهيدروجين الأخضر كمصدر للوقود النظيف والمستدام.
وجاءت النتائج كجزء من الجهود المستمرة في المؤسسات البحثية الدولية لتطوير المواد التي يمكن أن تشكل مصدرا للطاقة البديلة.
التحفيز الضوئي
تعتمد خطط الطاقة النظيفة، في العديد من دول العالم، على الهيدروجين كوقود للمستقبل، لكن لا تزال تقنية فصل الهيدروجين الحالية أقل من أهداف الكفاءة والاستدامة.
وينتج الهيدروجين الأخضر حاليًا عن طريق تقنية التحليل الكهربائي التي تفصل المياه إلى هيدروجين وأكسجين، وهو ما يستلزم تمرير تيار كهربائي خلالها.
وتعد هذه الطريقة لاستخراج الهيدروجين من المياه، مكلفة نوعًا ما، لأنها تحتاج قدرا كبيرا من الكهرباء، التي يتسبب توليدها في انبعاثات مضرة بالمناخ والبيئة.
ويقدم الاكتشاف الجديد لمجموعة دريكسل البحثية بديلا للطرق الحالية التي تولد غازات الدفيئة وتتطلب قدرا كبيرا من الطاقة.
ويعتمد الاكتشاف على تقنية “التحفيز الضوئي”، كبديل للتحليل الكهربائي، لإنتاج الهيدروجين الأخضر باستخدام ضوء الشمس والماء فقط.
واكتشفت تقنية التحفيز الضوئي، التي تعمل على فصل الهيدروجين عن الماء باستخدام ضوء الشمس فقط، منذ عدة عقود، لكنها ظلت غير مستخدمة على نطاق واسع، لأن المواد المحفزة التي تمّكن العملية لا يمكنها أن تبقى فعالة إلا لمدة يوم أو يومين، مما يحد من كفاءتها على المدى الطويل، وبالتالي، تحد من جدواها التجارية.
مؤخرا، أعلنت مجموعة دريكسل البحثية عن اكتشافها لمادة خيوط نانوية أحادية البعد تعتمد على أكسيد التيتانيوم المحفز ضوئيا، يمكنها أن تساعد ضوء الشمس على استخلاص الهيدروجين من الماء لعدة أشهر في كل مرة.
تقدم التقنية الجديدة مسارا مستداما وبأسعار معقولة لإنتاج وقود الهيدروجين، وفق ما أكده الباحثون.
نشرت المجموعة، بقيادة باحثين في كلية الهندسة، وهما ميشيل برسوم وحسين بدر، وكلاهما من أصول مصرية، بالتعاون مع علماء من المعهد الوطني لفيزياء المواد في بوخارست برومانيا، نتائج بحثهم في مجلة Matter.
قال حسين: “أظهر المحفز الضوئي أحادي البعد لأكسيد التيتانيوم نشاطا أعلى بكثير- من حيث الحجم- من نظيره التجاري من أكسيد التيتانيوم”.
أضاف: “علاوة على ذلك، وجدنا أن محفزنا الضوئي يستقر في الماء لمدة 6 أشهر، حيث تمثل هذه النتائج جيلا جديدًا من المحفزات الضوئية التي يمكن أن تنقل أخيرًا المواد النانوية من المختبر إلى السوق، وهو أمر طال انتظاره.”.
تجارب أدت لاكتشاف مهم
قبل عامين، اكتشفت المجموعة الهياكل النانوية المشتقة من الهيدروكسيدات (HDNs)، وهي عائلة المواد النانوية لأكسيد التيتانيوم، التي تنتمي إليها مادة التحفيز الضوئي.
كانت المجموعة البحثية تعمل وقتها على تجارب لصنع مادة “المكسين MXene”، والتي يستكشفها الباحثون لعدد من التطبيقات والاستخدامات الأخرى، أبرزها صناعة البطاريات لتخزين الشحنات الكهربائية.
المكسينات هي عائلة مكتشفة حديثا من المواد التي تعرف بأنها ثنائية الأبعاد، ولها خصائص إلكترونية وميكانيكية وبصرية غير عادية.
خلال التجارب، استخدمت المجموعة آنذاك محلولًا مائيًا لقاعدة عضوية مشتركة، وهو هيدروكسيد رباعي ميثيل الأمونيوم، لحفر طبقات مادة المكسين ثنائية الأبعاد كيميائيًا من مادة تسمى MAX phase، وذلك بدلاً من استخدام حمض الهيدروفلوريك الكاوي القياسي كالمعتاد.
جاءت النتائج على غير المتوقع، وبدلاً من إنتاج مادة المكسين، أنتج التفاعل الجديد خيوطًا ليفية رفيعة قائمة على أكسيد التيتانيوم، والتي وجد الفريق البحثي أنها تمتلك قدرة هائلة على تسهيل التفاعل الكيميائي الذي يفصل الهيدروجين من جزيئات الماء عند تعرضه لأشعة الشمس.
قال حسين: “لقد أظهرت مواد أكسيد التيتانيوم سابقًا قدرات تحفيزية ضوئية، لذا فإن اختبار الخيوط النانوية الجديدة الخاصة بنا لهذه الخاصية كان جزءًا طبيعيًا من عملنا”.
أضاف: “لكننا لم نتوقع ما وجدناه، فالمواد ليست محفزة ضوئيًا فحسب، بل إنها محفزات منتجة ومستقرة للغاية لإنتاج الهيدروجين من خلائط الماء والميثانول.”.
بعد الاكتشاف أولي، إذ اختبرت المجموعة خمس مواد محفزة للضوء، وهي شبكات HDN القائمة على أكسيد التيتانيوم، والمشتقة من مواد أولية منخفضة التكلفة ومتاحة بسهولة، وقارنتها بمادة أكسيد التيتانيوم المشتقة من P25، وهي مادة تحفيز ضوئي منتشرة على نطاق واسع بسبب جدواها التجارية.
غمر الباحثون كل مادة في محلول ميثانول مائي وقاموا بتعريضها للضوء المرئي فوق البنفسجي الناتج عن مصباح إضاءة قابل للضبط يحاكي طيف الشمس.
قام الباحثون بقياس كل من كمية الهيدروجين المنتجة ومدة النشاط في كل مجموعة مفاعل، وكذلك عدد الفوتونات من الضوء الذي أنتج الهيدروجين عندما تفاعلت مع مادة المحفز، وهو مقياس لفهم الكفاءة التحفيزية لكل مادة.
وجدوا أن جميع المحفزات الضوئية الخمسة المكونة من أكسيد التيتانيوم تعمل بكفاءة أعلى في استخدام ضوء الشمس لإنتاج الهيدروجين مقارنة بمادة P25.
واحد من هذه المحفزات، مشتق من ثنائي كربيد التيتانيوم، لديه كفاءة أكثر 10 مرات من P25 في تمكين الفوتونات لفصل الهيدروجين من الماء.
رحلة البحث عن السر
يقول الفريق إن هذا التحسن مهم جدًا من تلقاء نفسه، ولكن الاكتشاف الأكثر أهمية هو أن المادة ظلت نشطة بعد أكثر من 180 يومًا من التعرض لأشعة الشمس المحاكاة.
قال حسين: “لا يمكن المبالغة في تأكيد حقيقة أن موادنا تبدو مستقرة ديناميكيًا ونشطًة كيميائيًا وضوئيًا في خلائط الميثانول المائي لفترات طويلة”.
أضاف: “نظرًا لأن تصنيع المواد الخاصة بنا ليس مكلفًا ويسهل انتشاره ومستقر بشكل لا يصدق في الماء، فإن تطبيقات المواد في مختلف عمليات التحفيز الضوئي تستحق الاستكشاف.”.
تتمثل الخطوة التالية في البحث في فهم أفضل لسبب استقرار المواد المكتشفة، ونشاطها المستدام، بحيث يمكن تحسينها بشكل أكبر كمحفز ضوئي.
تفترض النظرية الحالية للفريق البحثي أن الطبيعة أحادية البعد ومساحة السطح النظرية للمادة تساهم في نشاطها المستدام، ولكن هناك حاجة إلى اختبارات إضافية لتأكيد هذه الاقتراحات.
تعمل المجموعة أيضًا على إيجاد إضافات أخرى، إلى جانب الميثانول، لتكون بمثابة “مخمدات ثقوب”، وهي مواد كيميائية تمنع تفاعل تقسيم الماء من عكس مساره، وهو أمر شائع بسبب الطبيعة الفوضوية إلى حد ما للتفاعلات التحفيزية.
تعد النتائج النهائية للأبحاث واعدة للغاية، لدرجة أن المجموعة أسست شركة هيدروجين خضراء ناشئة حول التكنولوجيا، وتعمل مع مكتب دريكسل للابتكار وفيلق الابتكار التابع لمؤسسة العلوم الوطنية للتحرك نحو تسويقها.
قال برسوم: “نحن متحمسون جدًا لإمكانيات هذا الاكتشاف الجديد”.
وأضاف: “يحتاج العالم إلى أنواع وقود نظيفة جديدة يمكنها أن تحل محل الوقود التقليدي. نعتقد أن هذه المادة يمكنها إطلاق العنان لإمكانات الهيدروجين الأخضر”.
بالإضافة إلى ذلك، تستكشف المجموعة عددا من التطبيقات الأخرى لشبكات HDN، بما في ذلك استخدامها في البطاريات والخلايا الشمسية وتنقية المياه والعلاجات الطبية.
وفقا لحسين، تتميز شبكات HDN عن غيرها من المواد النانوية في القدرة على إنتاجها بسهولة وأمان بكميات كبيرة، مما يجعلها منفتحة على مجموعة متنوعة من الاستخدامات الممكنة.