يوم جديد من يوميات السودان، تشرق فيه الشمس دون أن تضيء درب السلام، وسط تعثر مفاوضات طرفي الصراع.
ولم تسكت المدافع خلال اليوم الإثنين، فيما يزكم البارود من تبقى من سكان العاصمة الخرطوم عن قوافل النزوح، التي تسافر في أنحاء وخارج البلاد.
واندلعت صباح اليوم في الخرطوم اشتباكات عنيفة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، استُخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والخفيفة، ما أسفر عن إلحاق أضرار في عدد من المنازل.
كما رصدت تحليقا مكثفا للطيران الحربي في سماء العاصمة الخرطوم، مع سماع دوي المدافع وأصوات الرصاص.
قتال عنيف
وأبلغ مواطنون أن مناطق عديدة في الخرطوم وبحري وأم درمان شهدت قتالا عنيفا، مع تصاعد ألسنة اللهب والدخان فوق سماء تلك المناطق.
وفي ظل احتدام المعارك وشراستها بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، في قلب الأحياء السكنية وصفوف المدنيين تكررت الدعوات من الوساطة وقيادات الدولة والقوى السياسية بضرورة انسحاب القوات من المناطق السكنية.
وشدد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار إير على ضرورة انسحاب القوات من المناطق السكنية في العاصمة الخرطوم.
دعوة عقار جاءت في أعقاب انهيار منازل بشكل كلي وجزئي، إثر سقوط شظايا داخل الأحياء السكنية بمدن الخرطوم وبحري وأم درمان.
ورحب عقار في تصريحاته بالمفاوضات الجديدة من أجل تمديد الهدنة، لكنه أكد أن أي هدنة لن تستمر طالما الخرطوم مليئة بالمليشيات.
والغالبية العظمى من القوات الموجودة في العاصمة الخرطوم هي من الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” و”كتائب الظل” التابعة لنظام الرئيس المعزول عمر البشير.
دعوة في الهواء
بالنسبة للكاتب والمحلل السياسي أمير بابكر فإن مناشدة نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار بمثابة دعوة “في الهواء”، مشيرا إلى أن قوات الدعم السريع لم تستجب للوساطة بالخروج من منازل المواطنين.
وأشار بابكر، في حديثه ، إلى أن الدعوة لخروج قوات الدعم السريع من منازل المواطنين ومنشآت المياه والكهرباء مطلب عادل، لكن المطلوب فورا هو وقف دائم لإطلاق النار للعبور إلى المرحلة التالية، وهي الانخراط في التفاوض السياسي.
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي عبداللطيف أبوبكر “لا أعتقد أن قوات الدعم السريع تستجيب لدعوة مالك عقار بالانسحاب من المنازل والمنشآت الحيوية في العاصمة الخرطوم، في ظل الغارات الجوية للجيش السوداني على قواتها”.
وأوضح أبوبكر، في حديثه ، أنه “على الوساطة الضغط لوقف إطلاق نار دائم، بين القوات المتصارعة وصولا إلى حل شامل وعادل”.
معاناة متصاعدة
واشتد القتال في عدة مناطق بالخرطوم بعد انتهاء مهلة اتفاق وقف إطلاق النار التي كانت بدأت في 22 مايو/أيار وانتهت مساء السبت.
وأعلنت قوى “الحرية والتغيير” (الائتلاف الحاكم السابق) بالسودان إرسالها خطابات إلى 5 دول مجاورة للبلاد، ناشدتها فيها بتسريع إجراءات دخول اللاجئين السودانيين المتكدسين أمام الحدود المشتركة.
وقالت “الحرية والتغيير”، في بيان أمس الأحد، إنها أرسلت خطابات لوزراء خارجية دول الجوار، مصر وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا، توجهت فيها بالشكر “على استقبالها السودانيين الذين نزحوا من جحيم الحرب عبر حدودهم البرية مع السودان”.
وأضافت أنها طالبت في تلك الخطابات بـ”تسهيل وتسريع إجراءات الدخول لتفادي المصاعب الإنسانية التي تواجه الأعداد الكبيرة من السودانيين المتكدسين أمام مراكز عبور الحدود المشتركة، ومن بينهم أطفال ونساء ومرضى وكبار سن”.
وشددت على أن أهمية هذه القضية ضمن قضايا أخرى تتصل بالمعاناة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوداني على إثر الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع المتواصل منذ 15 أبريل/نيسان الماضي.
أولوية عاجلة
وأكدت “الحرية والتغيير” أنها لن تدخر جهدا “من أجل معالجة القضايا الإنسانية كأولوية عاجلة”.
وفي 24 مايو/أيار الماضي أعلن المفوض الأممي السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، في تغريدة، “فرار أكثر من 300 ألف شخص من السودان إلى البلدان المجاورة”.
وذكّرت الأمم المتحدة بتقرير نشرته في نفس الشهر، يشير إلى أن “نحو 25 مليون شخص يمثلون أكثر من نصف سكان السودان بحاجة للمساعدات الإنسانية”.
والأربعاء، أعلن الجيش السوداني تعليق مشاركته في مباحثات جدة بسبب ما قال إنه “عدم التزام قوات الدعم السريع بتنفيذ بنود الاتفاق واستمرار الخروقات”.
ويتبادل الطرفان السودانيان اتهامات ببدء القتال أولا وارتكاب خروقات خلال سلسلة من الهدنات لم تفلح في وضع نهاية للاشتباكات المستمرة منذ 15 أبريل/نيسان الماضي، والتي خلَّفت مئات القتلى وآلاف الجرحى بين المدنيين، إضافة إلى موجة جديدة من النزوح واللجوء في أحد أفقر دول العالم.
وصباح أمس الأحد، دعت السعودية والولايات المتحدة الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” إلى الاتفاق على وقف جديد “فعال” لإطلاق النار، وذلك غداة انتهاء هدنة مساء السبت رعتها الدولتان.
وتشهد الخرطوم ومدن أخرى، منذ 15 أبريل/نيسان الماضي، اشتباكات بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان و”الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، خلَّفت مئات القتلى وآلاف الجرحى بين المدنيين، إضافة إلى موجة جديدة من النزوح واللجوء في أحد أفقر دول العالم.